الجهود الدولية في مواجهة جرائم الإنترنت

د.حسين بن سعيد بن سيف الغافري دكتوراه في القانون الجنائي
عضو مجلس إدارة الإتحاد العربي للتحكيم الإلكتروني
2007
 
تمهيد وتقسم:
لم يكن هناك قلق مع بدايات شبكة الإنترنت من جرائم يمكن أن ترتكب عليها أو بواسطتها لا لأنها آمنة في تصميمها وبناءها ، بل نظرا لمحدودية مستخدميها ، علاوة على كونها كانت مقصورة على فئة معينة من المستخدمين – الباحثين ومنتسبي الجامعات- إلا أنه ومع توسع استخدامها ودخول جميع فئات المجتمع إلى قائمة مستخدميها بدأت تظهر على الوجود ما يسمى بالجرائم المعلوماتية على الشبكة[1] أو بواسطتها ،جرائم تتميز بحداثة الأسلوب وسرعة التنفيذ وسهولة الإخفاء والقدرة على محو آثارها وتعدد صورها وأشكالها. ليس هذا فحسب بل اتصفت بالعالمية وبأنها عابرة للحدود ، وهذا أمر طبيعي خاصة إذا ما علمنا أن شبكة الإنترنت ذاتها لا تعرف الحدود أي أنها ذات طبيعة عالمية .
وإزاء ذلك كان لا بد من تكاتف الدول من أجل مكافحة هذا النوع المستحدث من الجرائم التي لم تعد تتمركز في دولة معينة ولا توجه لمجتمع بعينه بل أصبحت تعبر الحدود لتلحق الضرر بعدة دول ومجتمعات مستغلة التطور الكبير للوسائل التقنية الحديثة في الاتصالات و المواصلات . وتعزيز التعاون بينها واتخاذ تدابير فعّالة للحد منها والقضاء عليها ولمعاقبة مرتكبيها.
وعلى هدي ما تقدم سوف نتناول بالدراسة التعاون الدولي وأهميته في مجال مكافحة الجرائم المتعلقة بالإنترنت " فصل أول" مع بيان للصعوبات التي قد تواجه هذا التعاون " فصل ثانٍ"
 
 
الفصل الأول
التعاون الدولي في مواجهة جرائم الإنترنت
 
تمهيد وتقسم:
يمكن ارتكاب الجريمة السيبرنية من أقصى بقاع الأرض بنفس سهولة ارتكابها من أقرب مكان. كما أن رسالة واحدة تعزز ارتكاب جريمة سيبرنية يمكن تمريرها من خلال الكثيرين من مقدمي الخدمات في بلدان مختلفة لها نظم قانونية مختلفة. كما أن الآثار الرقمية التي يمكن تتبعها تكون ضعيفة أو سريعة الزوال، ولذا تستلزم اتخاذ إجراء سريع. وهذا هو الحال تحديداً حين يسعى المرء إلى منع ارتكاب جريمة في مرحلة التنفيذ، مثل شن هجوم إلكتروني على بنية أساسية حرجة. وهذا هو الحال أيضاً حين يسعى المرء إلى جمع أدلة تتصل بجريمة ارتكبت مؤخراً. وتصبح المهمة بالغة الصعوبة حين تعبر الهجمة اختصاصات قضائية متعددة ذات نظم مختلفة في حفظ الأدلة. وهكذا لم تعد تكفي الوسائل التقليدية لإنفاذ القانون.
 إن بطء الإجراءات الرسمية يجازف بفقدان الأدلة، وقد تكون بلدان متعددة متورطة في الأمر. ولذا تشكل متابعة وحفظ سلسلة الأدلة تحدياً كبيراً. بل حتى الجرائم "المحلية" قد يكون لها بعد دولي، وربما تكون هناك حاجة إلى طلب المساعدة من جميع البلدان التي مرت الهجمة من خلالها.
وإذا كانت هناك جريمة واضحة تستحق التحقيق بالفعل، فقد تكون هناك حاجة إلى مساعدة من السلطات في البلد الذي كان منشأ الجريمة، أو من السلطات في البلد أو البلدان التي عبر من خلالها النشاط المجرَّم وهو في طريقه إلى الهدف، أو حيث قد توجد أدلة الجريمة. وهناك عنصران أساسيان للتعاون: المساعدة غير الرسمية من محقق لآخر، والمساعدة الرسمية المتبادلة.
وقد تكون المساعدة غير الرسمية أسرع إنجازاً، وهي الوسيلة المفضلة للنهج حين لا تكون هناك حاجة إلى صلاحيات إلزامية (أي أوامر تفتيش أو طلب تسليم المجرم). وهي تقوم على وجود علاقات عمل جيدة بين أجهزة شرطة البلدان المعنية، وتولد نتيجة الاتصالات التي جرت مع الوقت في مسار المؤتمرات وزيارات المجاملة والتحقيقات المشتركة السابقة.
ومن ناحية أخرى فإن المساعدة الرسمية المتبادلة هي عملية أكثر إرهاقاً يتم اللجوء إليها عادة عملاً بترتيبات معاهدات بين البلدان المعنية وتشمل تبادل الوثائق الرسمية. وهي تشترط في الغالب الأعم أن تكون الجريمة المعنية على درجة معينة من القسوة وأن تشكل جريمة في كل من البلدان الطالبة والموجه إليها الطلب. ويشار إلى هذا الأمر الأخير باعتباره "تجريماً مزدوجاً".
وسوف نبحث فيما يلي التعاون القضائي " مبحث أول" والتعاون الدولي في مجال تسليم المجرمين " مبحث ثانٍ" ، والتعاون الدولي في مجال التدريب" مبحث ثالث"
 
 
المبحث الأول
التعــاون القضائـــي
تمهيد وتقسيم:
فعالية التحقيق والملاحقة القضائية في الجرائم المتعلقة بالإنترنت غالبا ما تقتضي تتبع أثر النشاط الإجرامي من خلال مجموعة متنوعة من مقدمي خدمات الإنترنت أو الشركات المقدمة لتلك الخدمات مع توصيل أجهزة الحاسب الآلي بالإنترنت ، وحتى ينجح المحققون في ذلك فعليهم أن يتتبعوا أثر قناة الاتصالات بأجهزة الحاسب الآلي المصدرية والجهاز الخاص بالضحية أو بأجهزة أخرى تعمل مع مقدمي خدمات وسطاء في بلدان مختلفة . ولتحديد مصدر الجريمة غالبا ما يتعين على أجهزة إنفاذ القانون الاعتماد على السجلات التاريخية التي تبين متى أجريت تلك التوصيلات ومن أين ومن الذي أجراها . وفي أحيان أخرى قد يتطلب إنفاذ القانون تتبع أثر التوصيل ووقت إجرائه . وعندما يكون مقدمو الخدمات خارج نطاق الولاية القضائية للمحقق وهو ما يحدث غالبا فإن أجهزة إنفاذ القانون تكون بحاجة إلى مساعدة من نظرائها في ولايات قضائية أخرى . بمعنى الحاجة إلى ما يسمي التعاون القضائي .
ومن أهم صور التعاون القضائي : التعاون الأمني " مطلب أول" والمساعدة القضائية الدولية " مطلب ثانٍ "
 
 
المطلب الأول
التعاون الأمني على المستوى الدولي
 
أولا. ضرورة التعاون الأمني الدولي:
 
حتى يسهل لكل دولة الاستمرار والعيش مع غيرها من الدول فإنها تحتاج إلى قدرٍ من الأمن والنظام . وتشكل الجريمة إحدى القضايا الرئيسية في الكثير من دول العالم ، وتشغل بال الحكومات والمختصين والأفراد على حد سواء . ولقد أثبت الواقع العملي أن الدولة – أي دولة – لا تستطيع بجهودها المنفردة القضاء على الجريمة مع هذا التطور الملموس والمذهل في كافة ميادين الحياة . فنتيجة للتطور الملموس والمذهل في الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات وظهور الإنترنت والانتشار الواسع والسريع لها أدى إلى ظهور أشكال وأنماط جديدة من الجرائم منها الجرائم المتعلقة بشبكة الإنترنت وهي نوعٌ من الجرائم المعلوماتية ، التي باتت تشكل خطرا لا على سرية النظم الحاسوبية أو سلامتها أو توافرها فحسب ، بل تعدت إلى أمن البنى الأساسية الحرجة[2]
ومع تميزها بالعالمية وبكونها عابرة للحدود فإن مكافحتها لا تتحقق إلا بوجود تعاون دولي على المستوى الإجرائي الجنائي ، بحيث يسمح بالاتصال المباشر بين أجهزة الشرطة في الدول المختلفة ، وذلك بإنشاء مكاتب متخصصة لجمع المعلومات عن مرتكبي الجرائم المتعلقة بالإنترنت وتعميمها[3]
فمثلا في جرائم البث والنشر الفيروسي قد يكون مرتكب الهجوم يحمل جنسية دولة ما ، ويشن الهجوم الفيروسي من حواسيب موجودة في دولة أخرى ، وتقع الآثار المدمرة لهذا الهجوم في دولة ثالثة . فمن البديهي أن تقف مشاكل الحدود والولايات القضائية عقبة أمام اكتشاف هذه الجرائم ومعاقبة مرتكبيها ، لذا فإن التحقيقات في الجرائم المتصلة بالحاسب الآلي وملاحقتها قضائيا تؤكد على أهمية المساعدة القانونية المتبادلة بين الدول ، حيث يستحيل على الدولة بمفردها القضاء على هذه الجرائم الدولية العابرة للحدود ، لأن جهاز الشرطة في هذه الدولة أو تلك لا يمكنه تعقب المجرمين وملاحقتهم إلا في حدود الدولة التابع لها بمعنى آخر أنه متى ما فرّ المجرم خارج حدود الدولة يقف الجهاز الشرطي عاجزا .
لذلك أصبحت الحاجة ماسة إلى وجود كيان دولي يأخذ على عاتقه القيام بهذه المهمة وتتعاون من خلاله أجهزة الشرطة في الدول المختلفة، خاصة فيما يتعلق بتبادل المعلومات المتعلقة بالجريمة والمجرمين بأقصى سرعة ممكنة بالإضافة إلى تعقب المجرمين الفارين من وجه العادلة.
 
ثانيا. جهود المنظمة الدولية للشرطة الجنائية" الإنتربول":
 
البدايات الأولية للتعاون الدولي الشرطي ترجع إلى عام 1904م عندما تم إبرام الاتفاقية الدولية الخاصة بمكافحة الرقيق الأبيض بتاريخ 18/5/1904م والتي نصت في مادتها الأولى على "" تتعهد كل الحكومات المتعاقدة بإنشاء أو تعين سلطة لجمع المعلومات الخاصة باستخدام النساء والفتيات لغرض الدعارة في الخارج ، ولهذه السلطة الحق في أن تخاطب مباشرة الإدارة المماثلة لها في كل الدول الأطراف المتعاقدة"" .
ولم تمر سنة على إبرام هذه الاتفاقية إلا وكانت سبع دول من الدول المتعاقدة تنشي مثل تلك الأجهزة وتتبادل من خلالها المعلومات والبيانات الخاصة باستخدام النساء والفتيات لغرض الدعارة في الخارج من أجل القضاء على هذه الجريمة في أقاليمها[4]
بعد ذلك أخذ التعاون الشرطي الدولي يأخذ صورة المؤتمرات الدولية[5]: أولها وأسبقها تاريخيا كان مؤتمر موناكو(14-18/4/1914م) والذي ضم رجال الشرطة والقضاء والقانون من 14 دولة ، وذلك لمناقشة ووضع أسس التعاون الدولي في بعض المسائل الشرطية ، خاصة ما يتعلق بمدي إمكانية إنشاء مكتب دولي للتسجيل الجنائي وتنسيق إجراءات تسليم المجرمين ، إلا أنه ونتيجة لقيام الحرب العالمية الأولى لم يحقق المؤتمر أي نتائج عملية تذكر.
وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولي وتحديدا عام 1919م حاول الكولونيل"فان هوتين" أحد ضباط الشرطة الهولندية إحياء فكرة التعاون الدولي الشرطي وذلك بالدعوة لعقد مؤتمر دولي لمناقشة هذا الموضوع ، غير أنه لم يوفق في مسعاه.
 وبنهاية عام 1923م نجح الدكتور" جوهانو سويرا" مدير شرطة فينا في عقد مؤتمر دولي يعد الثاني على المستوى الدولي للشرطة الجنائية وذلك في الفترة3-7/9/1923م ، ضم مندوبي تسعة عشر دولة . وتمخض عنه ولادة اللجنة الدولية للشرطة الجنائية International Criminal Police Commission (ICPO) يكون مقرها فينا ، وتعمل على التنسيق بين أجهزة الشرطة من أجل التعاون في مكافحة الجريمة .
إلا أنه وباندلاع الحرب العالمية الثانية توقفت اللجنة عن أعمالها ، حتى وضعت الحرب أوزارها عام 1946م ، حيث عقد في بروكسل ببلجيكا في الفترة6-9/6/1946م مؤتمر دولي بهدف إحياء مبادئ التعاون الأمني ووضعها موضع التنفيذ بدعوة من المفتش العام للشرطة البلجيكية(Louvage) ، وانتهى الاجتماع إلى إحياء اللجنة الدولية للشرطة الجنائية(ICPO) ونقل مقرها إلى باريس بفرنسا ، وغيّر اسمها ليصبح المنظمة الدولية للشرطة الجنائيةInternational Criminal Police Organization (Interpol)(1) [6] وحتى كتابة هذه السطور تضم في عضويتها 182 عضوا[7]
وتهدف هذه المنظمة إلى تأكيد وتشجيع التعاون بين أجهزة الشرطة في الدول الأطراف وعلى نحو فعّال في مكافحة الجريمة . من تجميع البيانات والمعلومات المتعلقة بالمجرم والجريمة ، وذلك عن طريق المكاتب المركزية الوطنية للشرطة الدولية الموجودة في أقاليم الدول المنضمة إليها[8]. وتتبادلها فيما بينها ، بالإضافة إلى التعاون في ضبط المجرمين بمساعدة أجهزة الشرطة في الدول الأطراف[9](4)، ومدها بالمعلومات المتوفرة لديها على إقليمها وخاصة بالنسبة للجرائم المتشعبة في عدة دول ومنها جرائم الإنترنت ، ومن الأمثلة على دور الإنتربول في ما يتعلق بالجرائم المتعلقة بالإنترنت:ما حصل في الجمهورية اللبنانية عندما تم توقيف أحد الطلبة الجامعين من قبل القضاء اللبناني بتهمة إرسال صور إباحية لقاصرة دون العشرة أعوام من موقعه على شبكة الإنترنت. وذلك أثر تلقي النيابة اللبنانية برقية من الإنتربول في ألمانيا بهذا الخصوص[10].
ولقد مرت جهود المنظمة في هذا المجال بمراحل عديدة ، إلى أن تم إنشاء عدة مراكز اتصالات إقليمية في كل من طوكيو ، نيوزيلندا ، نيروبي ، أذربيجان ، بيونس أيرس لتسهيل مرور الرسائل ، ويضاف إلى ذلك مكتب إقليمي فرعي في بانكوك . ونظرا لتنوع أنظمة الدول المختلفة ، فقد كان هناك خيارين لأنظمة الاتصال[11]، داخل هذه الشبكة ، أولهما هو نموذج يخصص للدول المركزية وتجرى الاتصالات العالمية للشرطة فيها من خلال الجمعية العامة واللجنة التنفيذية بواسطة السكرتارية العامة ، والثاني للدول اللامركزية وتجري الاتصالات فيه مباشرة بين أجهزة الشرطة في الدول المختلفة.
وعلى غرار هذه المنظمة أنشأ المجلس الأوربي في لكسمبورج عام 1991م شرطة أوربية لتكون همزة وصل بين أجهزة الشرطة الوطنية في الدول المنظمة ولملاحقة الجناة في الجرائم العابرة للحدود ومنها بطبيعة الحال الجرائم المتعلقة بالإنترنت[12]. أما على المستوى العربي نجد أن مجلس وزراء الداخلية العرب أنشأ المكتب العربي للشرطة الجنائية[13] بهدف تأمين وتنمية التعاون بين أجهزة الشرطة في الدول الأعضاء في مجال مكافحة الجريمة وملاحقة المجرمين في حدود القوانين والأنظمة المعمول بها في كل دولة . بالإضافة إلى تقديم المعونة في مجال دعم وتطوير أجهزة الشرطة في الدول الأعضاء.
 
ثالثا.تبادل المعاونة لمواجهة الكوارث والأزمات والمواقف الحرجة:
 
تتعرض كافة دول العالم لاحتمالات وقوع كوارث ضخمة وأحداث جسام مفاجئة بشكل لا يمكن توقعه ، أو يستحيل التنبؤ بتوقيت حدوثه ، أو يصعب معه مواجهته بالإمكانيات القومية للدولة المنكوبة بمفردها.
 ومع وقع مثل هذه الكوارث أو الأزمات أو المواقف الحرجة غالبا ما يكون عنصر الوقت من الأمور الحاسمة في المواجهة ، الأمر الذي يحتاج إلى تكثيف خاص للجهود والخبرات والإمكانيات بشكل يصعب تحقيقه إلا بتضافر الجهود الدولية.
وهذه الصورة من صور التعاون الأمني تعد من أهم الصور في مجال مكافحة جرائم الإنترنت سيما وأن أجهزة العدالة الجزائية ليست بنفس المستوي والجاهزية في جميع الدول وإنما هناك تفاوت فيما بينها فبعض الدول متقدمة تقنيا وتكنولوجيا ولها صيت كبير في مواجهة الجرائم المعلوماتية ومنها الجرائم المتعلقة الإنترنت تشريعيا وفنيا ، والبعض الأخر تفتقد ذلك . من هنا كان لابد من التعاون بين الدول
 رابعا. القيام ببعض العمليات الشرطية والأمنية المشتركة:
تعقب مجرمي المعلوماتية عامة وشبكة الإنترنت خاصة ، وتعقب الأدلة الرقمية وضبطها والقيام بعملية التفتيش العابر للحدود لمكونات الحاسب الآلي المنطقية والأنظمة المعلوماتية وشبكات الاتصال بحثا عن ما قد تحويه من أدلة وبراهين على ارتكاب الجريمة المعلوماتية.، كلها أمور تستدعي القيام ببعض العمليات الشرطية والفنية والأمنية المشتركة ، وهي من شأنها صقل مهارات وخبرات القائمين على مكافحة تلك الجرائم، وبالتالي وضع حد لها.
 
   
المطلب الثاني
المساعدة القضائية الدولية
 
الإنترنت ما هي إلا شبكة عالمية تمتاز بأنها دولية وأنها عابرة للحدود ولا تعرف للحدود الجغرافية معنى . وبالتالي فإن الجرائم المتصلة بها تعتبر هي الأخرى عالمية وذات طابع دولي وأثرها يمتد لأكثر من دولة ، ففي واقعة تتلخص وقائعها في قيام شخصين مقيمين في ملبورن بأستراليا بإرسال ما بين ستة إلى سبعة ملايين رسالة إلكترونية على عناوين في أستراليا والولايات المتحدة الأمريكية بالإضافة إلى قيامهما بوضع عدة رسائل على لوحات الرسائل لدى الشركات الرئيسية المقدمة لخدمات الإنترنت . وذلك كله بهدف التشجيع على شراء أسهم إحدى الشركات الأمريكية التي كانت تباع أسهما في الولايات المتحدة الأمريكية في الرابطة الوطنية للأسعار المؤتمتة للمتاجرة بالأوراق المالية " بورصة NASDAQ " ، وكانت هذه الرسائل تبشر على غير الحقيقة بزيادة سعر أسهم الشركة بنسبة900%. ونتيجة لذلك وبعد فترة قصيرة حدثت زيادة في حجم تداول أسهم تلك الشركة لتصل إلى عشرة أمثالها وبالتالي تضاعف سعر السهم ، ولقد اعترف أحد المتهمين وهو مساهم في الشركة أنه قدم معلومات زائفة وغير صحيحة وعندما ارتفعت الأسعار باع أسهمه في الشركة محققا بذلك ربحا كبيرا[14]. والملاحظ هنا أن الشخصين قد انتهكا القانون الأسترالي والأمريكي بالإضافة إلى التلاعب في الأسواق المالية ناهيك عن تعطل أجهزة الحاسب الآلي في كلا البلدين بسبب الكم الهائل من الرسائل الإلكترونية.
ومن خلال المثال السابق نلاحظ أن ملاحقة مرتكبي هذه الجرائم وتقديمهم للعدالة من أجل توقيع العقاب عليهم يستلزم القيام بإجراءات إجرائية خارج حدود الدولة حيث ارتكبت الجريمة أو جزء منها . ومن هذه الإجراءات معاينة مواقع الإنترنت في الخارج أو ضبط الأقراص الصلبة أو تفتيش نظم الحاسب الآلي وهذا كله قد يصطدم بمشاكل الحدود والولايات القضائية . ولأن كان كذلك فلا مناص من تقديم المساعدة القانونية المتبادلة . وهذا ذاته ما حصل في الواقعة السابقة حيث كان هناك تعاون بن السلطات الأسترالية و لسلطات الأمريكية.
وتعّرف المساعدة القضائية الدولية بأنها"" كل إجراء قضائي تقوم به دولة من شأنه تسهيل مهمة المحاكمة في دولة أخري بصدد جريمة من الجرائم" [15].
وتتخذ المساعدة القضائية في المجال الجنائي صور عدة منها:
 
1.تبادل المعلومات:وهو يشمل تقديم المعلومات والبيانات والوثائق والمواد الاستدلالية التي تطلبها سلطة قضائية أجنبية وهي بصدد النظر في جريمة ما ، عن الاتهامات التي وجهت إلى رعاياها في الخارج والإجراءات التي اتخذت ضدهم ، وقد يشمل التبادل السوابق القضائية للجناة[16].
ولهذه الصورة من صور المساعدة القضائية الدولية صدى كبيراً في كثير من الاتفاقيات كالبند "و" والبند"ز" من الفقرة الثانية من المادة الأولى من معاهدة الأمم المتحدة النموذجية لتبادل المساعدة في المسائل الجنائية[17]، وهناك البند أولا من المادة الرابعة من معاهدة منظمة المؤتمر الإسلامي لمكافحة الإرهاب الدولي[18].
وذات الصورة نجدها في المادة الأولى من اتفاقية الرياض العربية للتعاون القضائي[19] ، و المادة الأولى والثانية من النموذج الاسترشادي لاتفاقية التعاون القانوني والقضائي الصادر عن مجلس التعاون الخليجي[20].ويوجد لها تطبيق كذلك في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية2000 في البنود الثالث والرابع والخامس من المادة الثامنة منها.
 
2.نقل الإجراءات: ويقصد به قيام دولة ما بناء على اتفاقية أو معاهدة باتخاذ إجراءات جنائية وهي بصدد جريمة ارتكبت في إقليم دولة أخرى ولمصلحة هذه الدولة متى ما توافرت شروط معينة[21] من أهمها التجريم المزدوج ويقصد به أن يكون الفعل المنسوب إلى الشخص يشكل جريمة في الدولة الطالبة والدولة المطلوب إليها نقل الإجراءات . بالإضافة إلى شرعية الإجراءات المطلوب اتخاذها بمعنى أن تكون الإجراءات المطلوب اتخاذها مقررة في قانون الدولة المطلوب إليها عن ذات الجريمة. وأيضا من الشروط الواجب توافرها أن تكون الإجراءات المطلوب اتخاذها من الأهمية بمكان بحيث تؤدى دورا مهما في الوصول إلى الحقيقة.
ولقد أقرت العديد من الاتفاقيات الدولية منها والإقليمية هذه الصورة كإحدى صور المساعدة القضائية الدولية كمعاهدة الأمم المتحدة النموذجية بشأن نقل الإجراءات في المسائل الجنائية[22] ، واتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية 2000م في المادة 21 منها ، وذات الشيء نجده في معاهدة منظمة المؤتمر الإسلامي لمكافحة الإرهاب الدولي 1999م في المادة 9 منها ، وأيضا المادة 16 من النموذج الاسترشادي لاتفاقية التعاون القانوني والقضائي الصادر عن مجلس التعاون الخليجي 2003م.
 
3.الإنابة القضائية الدولية: ويقصد بها طلب اتخاذ إجراء قضائي من إجراءات الدعوى الجنائية تتقدم به الدولة الطالبة إلى الدولة المطلوب إليها ، لضرورة ذلك في الفصل في مسألة معروضة على السلطة القضائية في الدولة الطالبة ويتعذر عليها القيام به بنفسها[23]. وتهدف هذه الصورة إلى تسهيل الإجراءات الجنائية بين الدول بما يكفل إجراء التحقيقات اللازمة لتقديم المتهمين للمحاكمة والتغلب على عقبة السيادة الإقليمية التي تمنع الدولة الأجنبية من ممارسة بعض الأعمال القضائية داخل أقاليم الدول الأخرى ، كسماع الشهود أو إجراء التفتيش وغيرها.
وعادة وكما هو معهود يتم إرسال طلب الإنابة القضائية عبر القنوات الدبلوماسية[24]، فمثلا طلب الحصول على دليل إثبات وهو عادة من شأن النيابة العامة تقوم بتوثيقه المحكمة الوطنية المختصة في الدولة الطالبة ثم يمرر بعد ذلك عن طريق وزارة الخارجية إلى سفارة الدولة متلقية الطلب لتقوم هذه الأخيرة بإرساله بعد ذلك إلى السلطات القضائية المختصة في الدولة متلقية الطلب . وما أن يتم تلبية الطلب ينعكس الاتجاه الوارد في سلسلة العمليات[25]. إلا أنه وسعيا وراء الحد من الروتين والتعقيد والبطء التي تتميز بها الإجراءات الدبلوماسية يحدث وبدرجة متزايدة أن تشترط المعاهدات والاتفاقيات الخاصة بتبادل المساعدة القضائية الدولية على الدول الأطراف أن تعين سلطة مركزية – عادة ما تكون وزارة العدل- ترسل إليها الطلبات مباشرة بدلا من الولوج إلى القنوات الدبلوماسية والتي من شأنه تسريع الإجراءات التي قد تأخذ وقتا طويلا فيما لو تم عبر تلك القنوات[26].
 والسؤال هنا هل الاتفاقيات والمعاهدات القائمة بوضعها الحالي صالحة لأن تساهم في الحد من الجرائم المتعلقة بالإنترنت لا سيما وان الحاجة إليها ملحة على نحو ما أسلفنا؟
نظرا لأن عامل السرعة يعتبر من العوامل الرئيسية والهامة في مكافحة الجرائم المتعلقة بالإنترنت ، ولكون غالبية هذه الاتفاقيات صدرت في وقت لم تكن شبكة الإنترنت قد ظهرت ، أو كانت موجودة ولكنها محدودة ، فإن تعديل هذه الاتفاقيات التقليدية للتعاون القضائي الدولي أصبح ضرورة ملحة خاصة مع التطور الكبير في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.
 ولأجل ذلك أبرمت العديد من الاتفاقيات الجديدة التي ساهمت في تقصير الوقت واختصار الإجراءات عن طريق الاتصال المباشر بين السلطات المعنية بالتحقيق ، مثال ذلك الاتفاقية الأمريكية الكندية التي تنص على إمكانية تبادل المعلومات شفويا في حالة الاستعجال[27] ، ونفس الشيء نجده في البند الثاني من المادة 30 من معاهدة منظمة المؤتمر الإسلامي لمكافحة الإرهاب الدولي 1999م والمادة 15من اتفاقية الرياض العربية للتعاون القضائي 1983م ، والمادة 53من اتفاقية شينغين 1990 والخاصة باستخدام الاتصالات المباشرة بين السلطات القضائية في الدول الأطراف ، والفقرة 13 من المادة 46 من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد[28].
 
المبحث الثاني
تسليم المجرمين
 
تمهيد وتقسيم:
 
استقر فقه القانون الدولي على اعتبار تسليم المجرمين شكلا من أشكال التعاون الدولي في مكافحة الجريمة والمجرمين وحماية المجتمعات من المخلين بأمنها واستقرارها وحتى لا يبقى أولئك العابثين بمنأى عن العقاب يعيثون في الأرض فسادا.
 وهذا النوع من التعاون الدولي هو نتيجة طبيعية للتطورات التي حدثت في كافات المجالات ومنها مجال الاتصالات وتقنية المعلومات، حيث لم تعد الحدود القائمة بين الدول تشكل حاجزاً أمام مرتكبي الجرائم كما أن نشاطهم الإجرامي لم يعد قاصرا على إقليم معين بل أمتد إلى أكثر من إقليم ، بحيث بات المجرم منهم يشرع في التحضير لارتكاب جريمته في بلد معين ويقبل على التنفيذ في بلد آخر ويرتكب الفرار إلى بلد ثالث للابتعاد عن أيدي أجهزة العدالة . فالجريمة إذاً أصبح لها طابع دولي والمجرم ذاته أصبح مجرما دوليا ، وهذا بالفعل ما ينطبق على الجرائم المتعلقة بالإنترنت.
وحيث أن أجهزة إنفاذ القانون لا تستطيع تجاوز حدودها الإقليمية لممارسة الأعمال القضائية على المجرمين الفارين ، كان لا بد من إيجاد آلية معينه للتعاون مع الدولة التي ينبغي اتخاذ الإجراءات القضائية فوق إقليمها ، ولكي يتم ذلك ويكون هناك تعاون دولي ناجح في مجال تحقيق العدالة كان لزاما تنظيم هذا النوع من التعاون الدولي تشريعيا وقضائيا وتنفيذيا. فالدولة ما دامت عضوا في المجتمع الدولي لا بد لها من الإيفاء بالالتزامات المترتبة على هذه العضوية ومن ضمنها الارتباط بعلاقات دولية وثنائية تتعلق باستلام وتسليم المجرمين .
 
ولو أمعنا النظر في نظام تسليم المجرمين لوجدناه يقوم على أساس أن الدولة التي يتواجد على إقليمها المتهم بارتكاب أحد الجرائم العابرة للحدود ومنها الجرائم المتعلقة بالإنترنت عليها أن تقوم بمحاكمته إذا كان تشريعها يسمح بذلك ، وإلا كان عليها أن تقوم بتسليمه لمحاكمته بمعرفة دولة أخرى مختصة . فهو إذاً يحقق مصالح الدولتين الأطراف في عملية التسليم ، فهو يحقق مصلحة الدولة الأولى في كونه يضمن معاقبة الفرد الذي أخل بقوانينها وتشريعاتها ، ويحقق في ذات الوقت مصلحة للدولة الثانية المطلوب إليها التسليم كونه يساعدها على تطهير إقليمها من فرد خارج عن القانون ومن شأن بقائه فيها تهديد أمنها واستقرارها.
ولأن كان كذلك فقد حرصت معظم الدول على سن التشريعات الخاص بتسليم المجرمين[29] ، بالإضافة إلى عقد العديد من الاتفاقيات الإقليمية والدولية والثنائية التي تعنى بعملية التسليم. ومن هذه الدول سلطنة عمان ، فهذه الأخيرة نظمت موضوع تسليم المجرمين من خلال سن التشريعات الخاصة والذي مر بمرحلتين : الأولى كانت في قانون الجزاء العماني الصادر بالمرسوم السلطاني 7/74 في المواد (14-28) منه[30](2) ، والثانية كانت بموجب قانون خاص بهذا النظام وهو قانون تسليم المجرمين الصادر بالمرسوم السلطاني 4/2000م . بالإضافة إلى ارتباط السلطنة بالعديد من الاتفاقيات الثنائية والإقليمية والدولية المتعلقة بتسليم المجرمين[31]
ودراسة موضوع تسليم المجرمين يقتضي منا بداية بيان ماهيته"مطلب أول" ثم معرفة شروطه وإجراءاته " مطلب ثانٍ " ، وأخير بيان لمظاهر التعاون الدولي في مجال التسليم" مطلب ثالث"   
 
المطلب الأول
ماهية نظام تسليم المجرمين
تسليم المجرمين: يعني قيام دولة ما ( الدولة المطلوب منها التسليم) بتسليم شخصا موجودا في إقليمها إلى دولة أخرى(الدولة طالبة التسليم) بناءا على طلبها بغرض محاكمته عن جريمة نسب إليه ارتكابها أو لتنفيذ حكم صادر ضده من محاكمها[32]. بمعنى آخر تسليم دولة لدولة أخرى شخصا منسوبا إليه اقتراف جريمة ما أو صدر ضده حكما بالعقاب كي تتولى محاكمته أو تنفيذ العقاب عليه.
والواضح مما سبق أن فكرة نظام التسليم تقوم من جهة على وجود علاقة بين دولتين: الأولى تطالب بأن يسلم إليها مرتكب الجريمة لتتخذ بحقه الإجراءات اللازمة لإيقاع العقوبة اللازمة عليه. والثانية يوجه إليها طلب التسليم لتقرر بعد ذلك إما الاستجابة له إذا كان متوافقا مع تشريع نافذ المفعول فيها أو معاهدة أو اتفاق يربط بينها وبين الدولة الطالبة ، وإما الرفض لعدم وجود ذاك التشريع أو تلك الاتفاقية. ومن جهة أخري نجده يشمل طائفتين من الأشخاص : طائفة الأشخاص المتهمين الذين تسند إليهم ارتكاب جرائم إلا أنه لم يصدر بحقهم أحكام بعد ، والفرض هنا أن شخصا ما اقترف جريمة ما في دولة معينة ، وقبل أن يلقى القبض عليه يفر هاربا إلى دولة أخرى ، عندها تطلب الدولة المرتكب على إقليمها الفعل الإجرامي من الدولة التي فر المتهم هاربا إليها أن تسلمه لها لمحاكمته عما ارتكب من جرم. وطائفة الأشخاص المحكوم عليهم الذين صدر بحقهم حكمٌ بالإدانة إلا أنه لم ينفذ بعد نتيجة لفرارهم إلى دولة أخرى ، والفرض هنا أن الشخص المتهم بارتكاب جريمة ما قد لوحق جزائيا من قبل قضاء الدولة التي ارتكب فيها الفعل الإجرامي ، وصدر بحقه حكما قضائيا إلا أنه وقبل البدء في التنفيذ يفر هاربا إلى دولة أخرى فتطلب الدولة التي ارتكب فيها الجريمة استلامه من الدولة التي فر إليها.
والتسليم بمعناه السابق يختلف عن مفاهيم أخرى قد تخلط به فهو لا يعد من قبيل الإبعاد الذي يعد عملا إداريا تستقل باتخاذه الجهة الإدارية في حالات لا يمكن حصرها[33]. ولا يعتبر كذلك من قبيل الطرد التي تمارسه الدولة بما لها من سيادة على أقليمها متى ما رأت أن بقاء الشخص على إقليمها من شأنه أن يؤثر على وجودها أو أمنها[34]
مصادر نظام تسليم المجرمين: فيما يتعلق بمصادر هذا النظام فهي ليست واحدة في كافة التشريعات وإنما تختلف باختلاف الظروف التشريعية لكل دولة ، إلا أنه وبشكل عام يمكن ردها وكما استقر الرأي إلى ثلاثة مصادر هي:
 
1.المعاهدات والاتفاقيات بين الدول: وهى تنقسم إلى ثلاثة أنواع اتفاقيات التسليم الثنائية : وهي تتم بين دولتين وفقا للشروط والضوابط الموضوعة من قبلهما[35].اتفاقيات التسليم المتعددة الأطراف: وهي اتفاقيات يكون أطرافها عدة دول[36]. الاتفاقيات الدولية : وهي اتفاقيات دولية تتضمن أحكاما متصلة بتسليم المجرمين دون أن تكون بحد ذاتها اتفاقيات تسليم[37]
والجدير بالذكر أن منظمة الأمم المتحدة وضعت عام 1990 معاهدة نموذجية لتسليم المجرمين لتكون إطاراً يساعد الدول التي بصدد التفاوض على اتفاقيات التسليم الثنائية ، وتتكون من 18 مادة بالإضافة إلى ملحق صدر لها عام 1997 يتضمن بعض الأحكام التكميلية. كما أن مجلس وزراء الداخلية العرب أقر قانونا نموذجيا لتسليم المجرمين.
2.القوانين الداخلية التي تنظم تسليم المجرمين[38].
3.العرف الدولي الذي يطبق في حالة عدم وجود اتفاقيات أو قوانين داخلية[39].
 
أما بالنسبة لمصادر هذا النظام في التشريع العماني فإنه وبالرجوع إلى نص المادة36[40] من النظام الأساسي للسلطنة الصادر بالمرسوم السلطاني رقم 101/1996م يتضح لنا أن المشرّع العماني حصر مصادر تسليم المجرمين في مصدرين اثنين هما:
1.الاتفاقيات الدولية: ومن الأمثلة عليها : الاتفاقية بين السلطنة والمملكة العربية السعودية 1982م & اتفاقية الرياض العربية للتعاون القضائي 1983م & الاتفاقية الأمنية بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية1994 & اتفاقية التعاون القانوني والقضائي بين السلطنة وجمهورية مصر العربية 2002م.
2.القوانين الوطنية: وتتمثل في قانون تسليم المجرمين 4/2000م[41]الذي صدر متوافقا مع ما شهدته السلطنة من تطورات تشريعية في كافة القوانين التي لها علاقة بالجريمة والمجرمين.
 أنواع نظم تسليم المجرمين: تتنوع أنظمة تسليم المجرمين وتختلف كل دولة في الطريقة التي تبحث بها طلب التسليم بحسب نوع النظام التي تأخذ به . وهناك ثلاثة أنظمة متبعة في تسليم المجرمين هي:
1.التسليم القضائي: يقوم هذا النظام على أساس احترام حقوق الأفراد وصيانة حرياتهم ، لذا تعتبر السلطة القضائية هي الجهة الوحيدة المختصة بإصدار قرار التسليم ، ولا شأن لجهة الإدارة بهذا الخصوص[42]
و الدولة التي تأخذ بهذا الاتجاه تنتهج في التنفيذ أحد النهجين[43]: الأول أن تكون المحكمة هي الجهة الوحيدة المختصة بإصدار قرار التسليم للدولة طالبة التسليم ولا دخل للنيابة العامة في إصدار هذا القرار وإنما يقتصر عملها أو دورها على تلقي طلب التسليم من الجهة المختصة وتعد أوراق الموضوع للعرض على المحكمة المختصة لتتولى الأخيرة عملية إصدار القرار النهائي حول هذا الطلب. والنهج الثاني يتمثل في إعطاء النائب العام في الدولة المطلوب منها التسليم سلطة الفصل في إصدار القرار النهائي من عدمه .
وبالرغم من جملة الإيجابيات التي قد يوفرها هذا النظام القضائي من حيث أنه يبيح للشخص المطلوب تسليمه أن يتقدم بأوجه دفاعاته كاملة مما يمّكنه من الدفاع الكامل عن نفسه عن ما قد يمكن أن يكون وراء الأوراق والمستندات ،بالإضافة إلى أنه لا وجود لما يعرف بالمجاملات السلطوية الدولية[44] . إلا أنه لا يخلو من بعض السلبيات ، منها أنه يتطلب القدرة على إحداث نوع من التوازن بين الخبرة القانونية الدولية والأبعاد السياسية الدولية والتي قد لا تتوافر لجميع القضاة بالسلطة القضائية ، أضف إلى ذلك طول الفترة التي تستغرقها إجراءات المحاكمة من شأنها أن تدفع بالمحكمة إلى إصدار أمر بالإفراج المؤقت عن المطلوب تسليمه لحين استكمال باقي الإجراءات[45] ، وعند صدور القرار المتعلق بالتسليم تتفاجئ الدولة بهروب المتهم أو المحكوم عليه المطلوب تسليمه إلى دولة أخرى.
 
2.التسليم الإداري: تسليم المجرمين يعد وفقا لهذا النظام عملاً من أعمال السيادة أو تدبيرا من تدابير السلطة التنفيذية التي تملك الصلاحية المطلقة لتقرر التسليم من عدمه وفقا لاعتبارات سياسية أو إدارية أو غير ذلك من الاعتبارات[46].
ويتطلب هذا النوع من التسليم أن توجه أجهزة الإنتربول بالدولة طالبة التسليم طلبها بشأن القبض على المتهم المطلوب إلى إنتربول الدولة المطلوب منها التسليم ، والتي تحيل الطلب إلى السلطة الإدارية المختصة للدراسة والبحث ومن ثم إصدار القرار.
ولهذا النظام العديد من الإيجابيات كما أن له العديد من السلبيات ، فمن إيجابياته السرعة فالبت في طلب التسليم يتم بسرعة فهو يصدر بمجرد أن تتأكد أجهزة الشرطة المختصة من وجود تجريم للفعل المطلوب تسليم الشخص لأجله – في الدولتين طالبة التسليم والمطلوب منها التسليم- والتأكد أيضا من وجود اتفاقية ثنائية بين الدولتين ينص فيها صراحة على جواز التسليم وأن الفعل المجرّم المطلوب التسليم لأجله من الجرائم المنصوص على جواز التسليم فيها – في حالة الاتفاقية المقيدة بنوعية معينة من الجرائم- ، وهذا بالطبع يتم بعد التأكد من وجود الشخص المطلوب تسليمه على أرض الدولة المطلوب منها التسليم وعدم مغادرته البلاد ، وأنه لا توجد أي موانع قد تعوق عملية التسليم وإتمامه[47](3).كما يمتاز هذا النظام بالابتعاد عن الإجراءات الطويلة والمعقدة والتي قد تحتاج إلى نفقات باهضة فيما إذا لجأت الدولة إلى النظام القضائي ، بالإضافة إلى أنه يساعد على تحسين العلاقات الدولية بين الدول.
وعلى الرغم من هذه الإيجابيات التي يمتاز بها هذا النظام إلا أنه ثمة سلبيات تؤخذ عليه ، كإهداره لحقوق الأفراد الدفاعية ، بالإضافة إلى المجاملات الدولية التي قد تحدث لصالح الدولة طالبة التسليم ويقع ضحيتها المتهم المطلوب تسليمه ، كأن يكون الشخص المطلوب تسليمه غير مرتكب لأي فعل إجرامي وإنما أسند إليه ارتكاب الفعل الإجرامي على غير الحقيقة بقصد الحصول على موافقة الدولة المطلوب منها التسليم بحيث عندما يعاد إلى دولته طالبة التسليم تتخذ ضده إجراءات عقابية مختلفة كليا وعن وقائع لا علاقة لها مطلقا بالموضوع الذي ذكر أن ارتكبه. أيضا من السلبيات أن التسليم الإداري غالبا ما يتم عن طريق السلطة التنفيذية التي ربما قد لا تتوافر لها ملكة الفحص القانوني لعدم توافر الثقافة القانونية المؤهلة للصلاحية لاستصدار مثل هذا القرار ، ناهيك عن أن هذا النوع من التسليم يتم في إطار من التعتيم والكتمان مما يعني بعده عن الأجهزة الرقابية القضائية والتشريعية
 
3.التسليم المختلط: النوع الثالث من التسليم يجمع بين الجانبين القضائي والإداري ، وهو الأكثر رواجا وانتشارا حيث يوازي بين المصلحتين المتعارضتين ، مصلحة الدولة طالبة التسليم ومصلحة الشخص المطلوب تسليمه ، فيكون للسلطة القضائية حق فحص الطلب ، ويمنح الشخص المطلوب تسليمه كل الضمانات القانونية للدفاع ، بشرط أن لا تقحم الدولة المطلوب منها التسليم نفسها في فحص وقائع الدعوى وتكتفي بما يرد إليها من مستندات ووثائق من الدولة الطالبة[48].
الوضع في التشريع العماني: بالرجوع إلى نصوص قانون تسليم المجرمين 4/2000م يتضح لنا أن المشرّع العماني قد أخذ بالنظام القضائي في التسليم فالمادة 13 منه تنص على أن" تتولى محكمة الاستئناف الجزائية في مسقط الفصل في طلبات التسليم بقبول الطلب أو رفضه …"" ، ودور المحكمة هنا يأتي بعد أن يتولى الجهاز الشرطي عملية استقبال الطلب واتخاذ إجراءات التحري والاستدلال والقبض على الشخص المطلوب[49] ، في حين يتولى الادعاء العام عملية استجواب الشخص المطلوب تسليمه وفقا للأحكام المقررة قانونا وحبسه احتياطيا أو إطلاق سراحه بكفالة أو بدونها[50].
وتجدر الإشارة هنا إلى أن القرار بقبول طلب التسليم ليس ملزما للحكومة وإنما يظل استشاريا لها إن شاءت الأخذ به وإن شاءت تركته جانبا فلها مطلق الحرية في التسليم أو الرفض ، وهو ما يبرز دور الإدارة أو السلطة التنفيذية في اتخاذ القرار بتسليم الشخص أم لا[51]. ففي حالة كان قرار المحكمة بالرفض فلا يجوز للحكومة عندئذ التسليم .  
 
المطلب الثاني
شروط وإجراءات تسليم المجرمين
 
تمهيد:
 
هناك شروط لتسليم المجرمين لا بد من وجودها وإجراءات معينة لا يتم التسليم بدونها وذلك على النحو التالي :
 
أولا: شروط التسليم:
 
أهمية شروط التسليم تكمن في كونها تفصّل حدود العلاقة بين الدول الأطراف في عملية التسليم ، وتضع الأحكام العامة التي على أساسها سيتم التسليم من عدمه ، وذلك متى توافرت هذه الشروط حال البت في قرار التسليم ، وتكاد تتفق هذه الشروط في جميع حالات التسليم من حيث العناصر ، أما من حيث الموضوع فهي محل خلاف بين الدول وذلك بحسب حاجتها للتسليم ، واعتبارات المصالح الدولية التي تراعيها كل دولة[52]، وهي كالتالي:
1.التجريم المزدوج: ويقصد به أن يكون الفعل المطلوب التسليم من أجله مجرّما في تشريع الدولة طالبة التسليم ، وكذلك في تشريع الدولة المطلوب إليها التسليم . والمطلوب هنا أن يكون الفعل مجرّما أيا كانت الصورة التشريعية المعاقب عليها فلا عبرة للوصف أو التكيف القانوني الذي يطلق على الفعل عند تقرير توافر هذه الشروط والمعاقبه عليه، فقد تختلف تشريعات الدول في التكيف القانوني الذي توصف فيه الجريمة فمثلا لو كان الفعل معاقبا عليه في تشريع الدولة الطالبة التسليم تحت مسمى جريمة توظيف الأموال ، بينما كان الفعل نفسه معاقبا عليه تحت مسمى جريمة النصب والاحتيال في الدولة المطلوب منها التسليم ، فإن ذلك لا يمنع من توافر شرط ثنائية التجريم أو ازدواجيته[53].
وشرط التجريم المزدوج يجد أساسه في إن الدولة طالبة التسليم تبتغي من وراء طلبها محاكمة من نسب إليه ارتكاب السلوك الإجرامي أو تنفيذ العقوبة المحكوم بها عليه ، وهذا يفترض بداهة أن السلوك مجرّم في تشريعها ، حيث أنه إذا لم يكن مجرّما فلا يتصور وجود دعوى عمومية أو ملاحقة جزائية ضد الشخص المتهم كما لا يتصور قيام حكم جزائي يقضي بعقوبة عليه هذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى لا يجوز مطالبة الدولة المطلوب إليها التسليم بإيقاع عقوبة على ارتكاب سلوك ما هو في الأساس غير مجّرم وفقا لقانونها[54].
ومن أشهر الحالات التي وقعت في التسعينيات الهجوم الذي شنه شاب روسي على مصرف سيتي بنك. فعن طريق استخدام حاسوبه الموجود في روسيا، نجح المتهم في أن يخترق دون إذن وحدات خدمة حواسيب المصرف في الولايات المتحدة. وقام بتجنيد عدد من المتواطئين لفتح حسابات مصرفية في شتى أنحاء العالم، ثم أصدر تعليمات إلى حاسوب سيتي بنك بتحويل أموالا إلى تلك الحسابات. وعند اكتشاف المخطط وتحديد هوية المتهم، صدر بحقه أمر اعتقال من محكمة اتحادية بالولايات المتحدة. ولم تكن هناك معاهدة لتسليم المجرمين في ذلك الوقت بين روسيا والولايات المتحدة، لكن المتهم ارتكب خطأً بزيارته إنكلترا لحضور معرض للحواسيب. وقد اضطرت السلطات البريطانية إلى التعاون في تسليمه لمواجهة التهم الموجهة ضده في الولايات المتحدة. فوفقاً لترتيبات تسليم المجرمين النافذة بين المملكة المتحدة والولايات المتحدة، يمكن لسلطات المملكة المتحدة تقديم المساعدة ما دامت الجريمة موضع الاتهام لها ما يقابلها في قانون المملكة المتحدة. وطلب المتهم أن تنظر المحكمة في قانونية توقيفه للطعن في تسليمه، وساق حججاً منها أن أمر تحويل الأموال قد صدر في روسيا حيث توجد لوحة مفاتيح حاسوبه وليس في الولايات المتحدة. وارتأت المحكمة أن الوجود المادي للمتهم في سان بطرسبرغ هو أقل أهمية من كونه باشر عملياته على أقراص ممغنطة موجودة في الولايات المتحدة. وفضلاً عن ذلك فإن الأفعال الموجهة إلى المتهم لها مقابلها الواضح في قانون إساءة استعمال الحواسيب لعام 1990؛ ولو مارس عملياته من المملكة المتحدة بدلاً من روسيا لكان الاختصاص القضائي للمحاكم الإنكليزيـة. وأخيراً تم تسليم المتهم إلى الولايات المتحدة حيث أدين وسُجن.
هذا ولقد أكد المشرّع العماني على هذا الشرط حيث نصت المادة الثانية من قانون تسليم المجرمين 4/2000م على "" …….. ويشترط في جميع الأحوال أن تكون الجريمة المطلوب من أجلها التسليم جناية أو جنحة معاقبا عليها بالسجن مدة لا تقل عن سنة وفقا لقوانين السلطنة ، فإذا كان المطلوب تسليمه محكوما عليه تعين أن تكون العقوبة المحكوم بها عقوبة سالبة للحرية لا تقل عن ستة أشهر أو أية عقوبة أشد"".
والواضح من سياق النص السابق أن المشرّع العماني لم يكتف بالنص على شرط التجريم المزدوج في كلا البلدين ، بل اشترط أن تكون الجريمة المطلوب من أجلها التسليم من نوع الجنايات أو الجنح المعاقب عليها بالسجن مدة لا تقل عن سنة وفقا للقانون العماني ، وفي حالة أن المطلوب تسليمه كان محكوما عليه فإنه يشترط أن تكون العقوبة المحكوم بها عن الحبس لمدة ستة أشهر.
كذلك نجد العديد من الاتفاقيات والمعاهدة المتعلقة بتسليم المجرمين قد نصت وأكدت على هذا الشرط فهناك مثلا المادة الثانية من المعاهدة النموذجية للأمم المتحدة بشأن تسليم المجرمين ، والمادة الثالثة من اتفاقية جامعة الدول العربية لتسليم المجرمين ، و المادة 40 من اتفاقية الرياض العربية للتعاون القضائي . والمادة 24 من الاتفاقية الأوربية للإجرام المعلوماتى.
2.الشروط المتعلقة بالأشخاص المطلوب تسليمهم:
عدم جواز تسليم الرعايا: من المبادئ السائدة والمستقر عليها في المجتمع الدولي والتي نصت عليها معظم التشريعات الوطنية والإتفاقيات مبدأ عدم جواز تسليم الرعايا أيا كان نوع الجريمة المرتكبة من قبلهم في أي إقليم خارج دولتهم[55] (1). فطبقا للمادة 3/1 من قانون تسليم المجرمين العماني يحظر نهائيا تسليم المواطنين العمانيين إلى أي دولة أجنبية . فإذا ما قام أحد المواطنين بارتكاب جريمة في إحدى الدول ثم فر هاربا إلى السلطنة ، وقامت تلك الدولة بتقديم طلب لتسليمه لها ، ففي هذه الحالة لا يجوز تسليم هذا الشخص كونه يتمتع بالجنسية العمانية ، والسلطنة هي الأحق بمحاكمته من الدولة الأخرى.
عدم جواز تسليم ممنوحي حق اللجوء السياسي: من المبادئ السائدة في أغلب التشريعات والاتفاقيات الدولية والإقليمية والثنائية المتعلقة بتسليم المجرمين عدم جواز تسليم ممنوحي حق اللجوء السياسي. ولقد أكدت عليه المادة الثالثة في البند الرابع منها من القانون العماني حيث نصت على ""…….4- إذا كان المطلوب تسليمه قد منح حق اللجوء السياسي في السلطنة قبل طلب التنازل واستمر متمتعا بهذا الحق بعد ورود الطلب" .
عدم جواز تسليم ممن تمت محاكمتهم عن ذات الجريمة المطلوب تسليمهم لأجلها: متى ما كان الشخص المطلوب تسليمه قد سبقت محاكمته عن الجريمة المطلوب تسليمه لأجلها فبرَّأ أو عوقب عنها فإنه لا يجوز تسليمه ، ليس هذا فحسب بل إنه أيضا لا يجوز التسليم متى ما كان قيد التحقيق والمحاكمة عن ارتكابه فعلا ما هو ذاته المطلوب تسليمه لأجله. ويعد هذا الشرط من الضمانات الأساسية عند محاكمة الشخص المطلوب تسليمه ويهدف إلى توفير أكبر قدر ممكن من الحماية القضائية للشخص المطلوب تسليمه في الدولة الطالبة ، وذلك حتى لا يتعرض هذا الشخص لعقوبة مزدوجة .
ولو رجعنا إلى قانون تسليم المجرمين العماني 4/2000م لتبين لنا اهتمام المشرع العماني بهذا الشرط والتأكيد عليه فالبند السادس من المادة الثالثة ينص على عدم جواز التسليم متى ما كان الشخص المطلوب تسليمه قد سبقت محاكمته عن الجريمة المطلوب تسليمه لأجلها أو كان قيد التحقيق أو المحاكمة بالسلطنة عن هذه الجريمة . كما أن هناك العديد من الاتفاقيات والمعاهدات نصت وأكدت على هذا الشرط كمعاهدة الأمم المتحدة النموذجية لتسليم المجرمين في المادة الثالثة منها ، واتفاقية جامعة الدول العربية لتسليم المجرمين في المادة الخامسة منها.
3.الشروط المتعلقة بالجريمة المطلوب التسليم لأجلها:
الجرائم التي يجوز التسليم فيها وتلك التي لا يجوز التسليم فيها: تحديد طبيعة الجرائم التي تخضع لنطاق التسليم يعتبر في غاية الأهمية كونه يحدد عما إذا كان يجوز التسليم أو لا . فطبيعة تلك الجرائم هي الدعائم التي تقوم عليها شروط التسليم بصفة أساسية[56]. وتتبع الدول في تحديد الجرائم التي يجوز التسليم فيها ثلاثة اتجاهات هي:
أسلوب الحصر " نهج القائمة": يعتمد هذا الأسلوب على إدراج مجموعة من الجرائم على سبيل الحصر "قتل ، نصب ، سرقة ، غسل أموال ، إرهاب……" في قائمة تضمن القانون أو تلحق بالاتفاقية لتكون هذه الجرائم دون غيرها من الجرائم الأخرى هي التي يتم التسليم لأجلها. ويعتبر هذا الأسلوب من أقل الأساليب شيوعا وانتشارا بين الدول حيث يؤدي إلى إفلات بعض المجرمين من العقاب متى ما كانت الجريمة غير واردة في القائمة[57].
أسلوب جسامة الجريمة أو الحد الأدنى للعقوبة: يعتبر هذا الأسلوب الأكثر شيوعا في تحديد الجرائم التي يجوز التسليم فيها ، وهو يعني أن تحدد الدول في تشريعاتها الداخلية أو في المعاهدات الثنائية أو متعددة الأطراف الحد الأدنى للعقوبة المقررة للجرائم التي يمكن أن يتم التسليم لأجلها .
ويعد التشريع العماني من التشريعات التي اعتنقت هذا الأسلوب حيث اشترط أن تكون الجريمة المطلوب من أجلها التسليم جناية أو جنحة معاقب عليها بالسجن مدة لا تقل عن سنة وفقا للقوانين العمانية ، وفي حالة كون المطلوب تسليمه محكوما عليه فإنه يشترط أن لا تقل العقوبة المحكوم بها عن الحبس لمدة ستة أشهر[58].
النظام المختلط: وهو من الأساليب الشائعة أيضا في تحديد الجرائم التي يجوز التسليم فيها ، وهو يحقق فائدتين : فمن جهة يضمن درجة معينة من جسامة الجريمة المعاقب عليها في البلدين ليتم التسليم ووفقا لها ، ومن جهة أخرى يضمن خضوع جرائم محددة تمثل خطرا على الدول الأطراف للتسليم دون النظر لدرجة جسامتها أو العقوبة المقررة لها[59].
ولقد أخذت الاتفاقية الأوربية للإجرام المعلوماتى بهذا الأسلوب حيث نصت في المادة 24 منها على أنه "تطبق هذه المادة على عملية تسليم المجرمين فيما بين الدول الأطراف بالنسبة للجرائم المنصوص عليها وفقا للمواد من 2-11[60] بهذه الاتفاقية بشرط أن يعاقب عليها القانون بموجب القوانين بالدولتين المعنيتين طرفي الاتفاقية بالحرمان من الحرية لفترة لا تزيد عن سنة واحدة على الأقل أو بعقوبة أشد."
 
ومما تجدر الإشارة إليه في هذا المقام أنه يسود المجتمع الدولي اتجاه عام يقضي بعدم جواز التسليم في الجرائم السياسية[61]. وذلك راجع إلى أن المجرم السياسي لا يعتبر مجرما بالمعنى الذي يحمله هذا الاصطلاح في علم الإجرام أو علم الاجتماع ، إذ غالبا ما يرتكب السلوك بهدف تحقيق أغراض وأهداف قومية ، قد تنطوي على أعمال بطولية لتحرير الأرض واستقلال الوطن والدفاع عن مبادئ سامية[62].
وهذا الاتجاه نجد تطبيقا له في التشريع العماني وتحديدا في البند الخامس من المادة الثالثة من قانون تسليم المجرمين العماني ، وأيضا نجد تطبيقا له في المادة الثالثة من معاهدة الأمم المتحدة النموذجية بشأن تسليم المجرمين 1990م ، والمادة الرابعة من اتفاقية جامعة الدول العربية لتسليم المجرمين 1952م والمادة الثانية من الاتفاقية العمانية السعودية لتسليم المجرمين ، وأيضا المادة 30 من الاتفاقية الأمنية لدول مجلس التعاون الخليجي.
عدم انقضاء الدعوى العمومية أو العقوبة: يشترط لجواز التسليم أن لا تكون الدعوى العمومية أو الحكم القاضي بفرض عقوبة قد انقضى بأحد أسباب الانقضاء المحددة في التشريعات الوطنية للدولة طالبة التسليم والمطلوب إليها التسليم أو الدولة التي ارتكبت الجريمة على أرضها. وهذا ما أكد عليه المشرّع العماني في البند السابع من المادة الثالثة من قانون تسليم المجرمين 4/2000م.
 

ثانيا: إجراءات التسليم:
يقصد بمراحل وإجراءات التسليم تلك القواعد ذات الطبيعة الإجرائية التي تتخذها الدول الأطراف في عملية التسليم وفقا لقوانينها الوطنية وتعهداتها لأجل إتمام عملية التسليم . بهدف التوفيق بين المحافظة على حقوق الإنسان وحريته وبين تأمين الصالح العام الناشئ عن ضرورات التعاون الدولي في مكافحة الجريمة بحيث لا يفلت أي مجرم من العقاب.
وهذه الإجراءات تتقاسمها الدولتان الطالبة والمطالبة ، كما وأنها ليست مطلقة بل مقيدة ببعض الالتزامات الدولية أو التعاهديه وفيما يلي بيان لما أجمل وفقا لما جاء في القانون العماني مع الإشارة إلى بعض الاتفاقيات والمعاهدات ذات الصلة بموضوع التسليم على سبيل المقارنة :
1.إجراءات الدولة طالبة التسليم: يعتبر طلب التسليم الأداة التي من خلاله تعبر الدولة الطالبة صراحة عن رغبتها في استلام الشخص المطلوب ، فبدونه لا يمكن أن ينشأ الحق في التسليم . والأصل أن يكون كتابة حيث أنه لا يجوز أن يقدم هذا الطلب شفاهة غير مكتوب كأن يرسل برقيا أو تلغرافيا أو عن أية طريق الاتصال الإلكتروني ، إلا في حالات معينة تتميز بصفة الاستعجال وعلى سبيل الاستثناء[63].
ويرفق عادة بطلب التسليم مجموعة من المستندات الدالة على ارتكاب الشخص المطلوب تسليمه للجرم محل التسليم ، وبعض مواصفات الشخص المطلوب تسليمه والتي من شأنها إعانة أجهزة الدولة المطالبة بالتسليم على تعقب الشخص المطلوب والقبض عليه .
وبالرجوع إلى نص المادة 11 من قانون تسليم المجرمين العماني يتضح لنا أن الأوراق والمستندات والوثائق التي تطلب المشرع إرفاقها بالطلب هي:
بيان مفصل عن هوية الشخص المطلوب وأوصافه وإرفاق كل ما من شأنه الإعانة على تحديد شخصيته على وجه الدقة وصورته إن أمكن.
أمر القبض أو الإحضار صادر من سلطة مختصة إذا كان الشخص غير محكوم عليه وصورة من الحكم إذا كان محكوما عليه سواء حاز الحكم قوة الأمر المقضي أو لم يحزها.
صورة من النصوص القانونية التي تعاقب على الفعل والأدلة التي تثبت مسؤولية الشخص المطلوب.
تعهد من الدولة طالبة التسليم بأنها لن تلاحق أو تحاكم أو تعاقب المطلوب تسليمه من أجل جريمة سابقة على التسليم غير الجريمة أو الجرائم التي كانت محل طلب التسليم.
تعهد من الدولة طالبة التسليم بعدم تسليم الشخص إلى دولة ثالثة إلا بعد موافقة السلطنة على ذلك.
تعهد من الدولة طالبة التسليم بمحاكمة الشخص المطلوب تسليمه محاكمة عادلة ونزيهة وأن توفر له ضمانات الدفاع عن نفسه.
- الجهات المناط بها إعداد طلب التسليم: يعتبر إعداد طلب التسليم من الأعمال التي تتصل بالنظام القضائي للدول ، فمثلا في مصر نجد أن المادة 1712 من التعليمات العامة للنيابة تقضي بأن تتولى النيابة العامة إعداد طلب التسليم من خلال مكتب المحامي العام الأول .أما في الولايات المتحدة الأمريكية فإن إجراءات التسليم تبدأ من إدارة العدل-مكتب الأعمال الخارجية- حيث يقدم الطلب بصفة أساسية من محاكم الولاية طالبة التسليم أو من المحامى العام لهذه الولاية أو النائب المحلي الخاص بها . وفي فرنسا يتم إعداد طلب التسليم من وكيل النائب العام الذي يرسله إلى النائب العام فيتولى هذا الأخير إرساله إلى وزارة العدل حيث تقوم الأخيرة بإرسال ملف التسليم كاملا إلى وزارة الخارجية التي تتولى عبر القنوات الدبلوماسية إرسال الملف إلى سفارتها في الدولة الطالبة[64].
2.إجراءات الدولة المطلوب منها التسليم: وفقا لما هو منصوص عليه في القانون العماني فإن الإجراءات التي تقوم بها السلطنة فيما لو طلب منها تسليم أحد الأشخاص ، تنقسم إلى ثلاثة مراحل: الأولى تتمثل في تلقي الطلب واتخاذ إجراءات التحري وجمع الاستدلالات والقبض على الشخص المطلوب وهي من اختصاص شرطة عمان السلطانية . والمرحلة الثانية تتمثل في استجواب المقبوض عليه وحبسه احتياطيا أو إطلاق سراحه بكفالة أو بدونها أو منعه من مغادرة الأراضي العمانية إلى أن يتم الفصل في الطلب الوارد بشأنه وهي من اختصاص الادعاء العام[65]. والمرحلة الثالثة والأخيرة هي فحص الطلب من قبل المحكمة المختصة – محكمة الاستئناف الجزائية بمسقط- والبت فيه بالقبول أو الرفض ، والمحكمة وهي بصدد ذلك تتحقق من توافر الشروط الشكلية – الأمور الواجب إتباعها من قبل الدولة طالبة التسليم – كوجود ملف التسليم واحتوائه على جميع الوثائق المطلوبة والواجب إرفاقها مصدقة من الجهات المختصة في الدولة طالبة التسليم[66] .بالإضافة إلى ضرورة التأكد من توافر الشروط الموضوعية كشرط ازدواجية التجريم أو عدم انقضاء الدعوى العمومية أو العقوبة والتأكد من عدم وجود أي مانع من موانع التسليم المنصوص عليها في المادة الثالثة من القانون. فإذا تأكد لها توافر الشروط الشكلية والموضوعية تقضي بتسليم الشخص محل الطلب بموجب قرار يصدر منها يتضمن نوع الجريمة التي سلم الشخص لأجلها ، وقرارها هنا ليس ملزما للحكومة وإنما استشاريا حيث أن الأمر يعود بعد ذلك لحكومة السلطنة التي منحها القانون سلطة تقديرية في تسليم الشخص من عدمه[67].
أما إذا رأت المحكمة أن الشروط القانونية غير متوافرة ، أو أن الأدلة الواردة في طلب التسليم أو التحقيقات غير كافية لثبوت الجريمة المنسوبة إلى المطلوب تسليمه فلها أن ترفض الطلب . وفي هذه الحالة يتعين على الحكومة رفض الطلب[68] . وفي جميع الأحوال قرارات المحكمة القاضية بالموافقة على طلب التسليم أو برفضه هي قرارات نهائية[69]
وتجدر الإشارة هنا أنه في حالة الموافقة على التسليم فإن القانون العماني أوجب على الدولة طالبة التسليم أن تتقدم لاستلامه خلال ثلاثين يوما من تاريخ إخطارها بالموافقة على طلب التسليم ، وإلا وجب إخلاء سبيله ، وفي هذه الحالة لا يجوز القبض عليه مرة أخرى أو اتخاذ أي إجراء في شأنه إلا بناء على طلب جديد.
بالإضافة إلى ذلك فإنه يجب عند تسليم الشخص محل التسليم أن تسلم معه كل ما كان في حوزته أثناء القبض عليه ، وكل ما يمكن أن يكون دليلا على الجريمة ، و يجوز الاحتفاظ بها إذا رأت الدولة المطلوب إليها التسليم لزوما لذلك أو أن تحتفظ بحق استرجاعها مستقبلا[70]فيما يتعلق بنفقات التسليم – الأموال التي تدفع لنقل الشخص المطلوب تسليمه ومحصلات الجريمة وأحيانا لترجمة الوثائق والمستندات المطلوبة[71]- فإنه ووفقا لما هو مستقر عليه تكون على الدولة الطالبة التسليم ما لم يتم الاتفاق على غير ذلك
 
.  
المطلب الثالث
مظاهر التعاون الدولي في مجال تسليم المجرمين
 
في السابق ولفترة طويلة لم تظهر أية أحكام أو معاهدات دولية بشأن تسليم المجرمين أو بشأن الإجراءات الواجب إتباعها من أجل تسليم فارّ من العدالة إلى دولة طالبة بغرض محاكمته أو تنفيذ حكم صادر عليه [72] ، وكان تسليم المجرمين إلى حد كبير يعتبر من المسائل التي يحكمها مبدأ المعاملة بالمثل أو حسن المعاملة بين الدول. وكان الرأي السائد عموما هو أنه في ظل غياب معاهدة دولية ملزمة فإنه لا وجود لالتزام دولي بتسليم المجرمين . ومع ذلك كان يوجد اتجاها ينادي بضرورة الاعتراف بوجوب تسليم المجرم أو محاكمته وخصوصا في جرائم دولية معينة[73].
وفي فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية كانت الزيادة في عدد المعاهدات والاتفاقيات خاصة الثنائية منها لتنظيم إجراءات تسليم المجرمين خاصة عند دول القانون العام ،حيث تم استخدامها على نطاق واسع[74].
بالإضافة إلى ما سبق ظهرت العديد من الاتفاقيات متعددة الأطراف بشأن تسليم المجرمين فهناك اتفاقية البلدان الأمريكية لتسليم المجرمين 1981 في إطار منظمة الدول الأمريكية[75]، وكذلك اتفاقية جامعة الدول العربية لتسليم المجرمين 1952 ، وهناك الاتفاقية الأوربية المتعلقة بتسليم المجرمين 1957م وبروتوكولاتها الإضافية (1975-1978) ، وكذلك اتفاقية المنظمة المشتركة لأفريقيا ومدغشقر 1961 ، ومعاهدة تسليم المجرمين والمساعدات المتبادلة في المسائل الجنائية 1961 الخاصة ببلدان البينولكس ، وخطة الكومنولث لتسليم المجرمين 1966م[76]. وهناك أيضا اتفاقية الرياض العربية للتعاون القضائي 1983م والاتفاقية الأمنية الخليجية 1994م ، واتفاقية الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا بشأن تسليم المجرمين 1994م وهناك اتفاقية تبسيط إجراءات تسليم المجرمين بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوربي ، واتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية 2000م[77].
بالإضافة إلى ما سبق فإنه يوجد نوع أخر من مظاهر التعاون الدولي في مجال تسليم المجرمين يتمثل في الاعتراف المتبادل بأوامر القبض أو الحبس أو التوقيف وبمقتضاه تصدر السلطة المختصة بإحدى الدول أمرا بالقبض أو الحبس أو التوقيف ، وتعترف بصلاحيته دولة أخرى أو أكثر ويتعين تنفيذه[78]
 
 
 
 
المبحث الثالث
التعاون الدولي في مجال التدريب على مواجهة الجرائم المتعلقة بالإنترنت
 
تمهيد وتقسيم:
 
            التقدم المتواصل في تكنولوجيا الحاسب الآلي والإنترنت يفرض على جهات إنفاذ القانون أن تسير في خطوات متناسقة مع التطورات السريعة التي تشهدها هذه التقنيات ، والإلمام بها حتى يمكن التصدي للأفعال الإجرامية التي صاحبت هذه التكنولوجيا ومواجهتها هذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى فإن إعمال القانون في مواجهة الجرائم المعلوماتية يستلزم اتخاذ إجراءات قد تتجاوز المفاهيم والمبادئ المستقرة في المدونة العقابية التقليدية ، لما تتسم به هذه الجرائم من حداثة في الأسلوب وسرعة في التنفيذ وسهولة في إخفائها والقدرة على محو آثارها. حيث أثبتت الوقائع العملية أن هناك جرائم متعلقة بالحاسب الآلي وشبكة الإنترنت قد ارتكبت على مرأى ومسمع من رجال الشرطة ، بل قام بعض رجال الشرطة بتقديم يد المساعدة لمرتكبي هذه الجرائم دون قصد وعن جهل ، أو على سبيل واجبات المهنة التي يلزمهم بها هذا القانون. مثلما حدث عندما طلبت إحدى دوائر الشرطة بالولايات المتحدة الأمريكية من شركة تعرضت للقرصنة أن تتوقف عن تشغيل جهازها الآلي لتتمكن من وضعه تحت المراقبة بهدف كشف مرتكب الجريمة ، ونتيجة لذلك أتلف ما كان قد سلم من الملفات والبرامج[79]. وإتلاف الأدلة قد يقع كذلك عن خطأ مشترك بين الخبراء وبين الجهة المجني عليها ، فمثلا في تحقيق إحدى الجرائم المعلوماتية والتي تدور وقائعها حول طلب أحد الأشخاص من إحدى الشركات زعم أنه وضع قنبلة منطقية بنظام حاسبها الآلي. تبين أن الشركة وقبل إبلاغ السلطات المختصة كانت قد استدعت خبيرا للتحقق من صحة ذلك وإبطال مفعول القنبلة إن وجدت ، وبالفعل نجح الخبير في اكتشاف القنبلة وإزالتها من البرنامج الموضوعة فيه ، وعندما تولت الشرطة التحقيق اتضح أنه بإزالة القنبلة أتلفت كل الأدلة على وجودها[80]
وبالتالي فإن ظهور هذه الأنماط الجديدة من الجرائم أصبح وهذا ما أثبته الواقع العملي يشكل عبئاً ثقيلا على عاتق جميع أجهزة العدالة الجنائية سواء رجال الضبط القضائي أو رجال التحقيق أو المحاكم على مختلف درجاتها.سيما وأن متطلبات العدالة وكما أسلفنا تقتضي أن تتحمل الأجهزة الأمنية الحكومية كامل المسؤولية تجاه اكتشاف كافة الجرائم المعلوماتية وضبط الجناة فيها وتحقيق العدالة في حقهم.
لأجل ذلك كان لا بد أن تكون تلك الأجهزة على مختلف أنواعها على درجة كبيرة من الكفاءة والمعرفة والقدرة على كشف غموض تلك الجرائم والتعرف على مرتكبيها بسرعة ودقة متناهيين. وهذا لن يتحقق إلا بالتدريب[81](2)، فكفاءة رجال العدالة لمواجهة هذه الظواهر المستحدثة وقدرتهم في التصدي لها لا بد وأن ترتكز على كيفية تطوير العملية التدريبية[82](3) والارتقاء بها والنهوض بأساليب تحقيقها لأهدافها ، من هذا المنطلق كانت الدعوى إلى وجوب تأهيل القائمين على هذه الأجهزة[83](4) " مطلب أول" . وحيث أنه ما من دولة يمكنها النجاح في مواجهة هذه الأنماط المستحدثة بمفردها دون تعاون وتنسيق مع غيرها من الدول كانت الدعوة إلى ضرورة وجود تعاون دولي في مجال تدريب رجال العدالة الجزائية " مطلب ثاني"
 
المطلب الأول
التدريب وأهميته في مجال مكافحة الجرائم المتعلقة بشبكة الإنترنت
 
 
التدريب يعد جزءا من عملية التنمية الإدارية وهو يهتم بالدرجة الأولي بالكفاءة والفعالية في إنجاز العمل . من هنا فقد حرصت الكثير من المنظمات العامة والخاصة على العناية به ، باعتباره أحد الأدوات الأساسية لرفع مستوى الأداء وزيادة الكفاية الإنتاجية وإعداد العاملين على اختلاف مستوياتهم للقيام بواجبات أعمالهم والمهام الموكلة إليهم على خير وجه. إضافة إلى تهيئتهم لتحمل المزيد من المسؤوليات من خلال زيادة قدراتهم على مواجهة المهام المعقدة في الحاضر والمستقبل.
ولهذا أصبح ينظر إلى التدريب على أنه وسيلة للاستثمار الذي تلجأ إليه المنظمات الإدارية لتحقيق أهدافها باعتباره عنصرا حيويا لا بد منه لبناء الخبرات والمهارات المتجددة .[84]
والواقع أن التدريب أصبح يلعب دورا هاما في حياة الإنسان في عصرنا الحاضر ، حتى يمكننا القول بأننا نعيش اليوم عصر التدريب ، فقد زاد الاهتمام بالتدريب بمختلف جوانبه الفنية والتكتيكية فقد أضحي ضرورة للفرد المتدرب وللمنظمة التي ينتسب إليها في آن واحد ، سواء أكانت منظمة مدنية أو عسكرية ، حكومية أو خاصة ، تعمل في قطاع العدالة أم في غيره ، فهو أحد العناصر الأساسية لزيادة كفاءة العنصر البشري ويرفع إنتاجيته ويحقق التنمية بمفهومها الشامل . والهدف من عملية التدريب إدخال وإحداث تعديلات جوهرية على سلوك المتدربين ، تبدو آثارها واضحة في سلوكهم لأداء الأعمال التي يكفلون بها كل في مجال تخصصه ، بشكل أفضل بعد عملية التدريب لا قبلها.[85]
وتبدوا أهمية التدريب وضرورته في أنه من ناحية يعد الوسيلة الفعلية والتطبيقية الناجحة والمؤثرة التي تكفل الاستفادة من مهارات وتجارب الآخرين من خلال أشخاص أكفاء مؤهلين وقادرين على نقل هذه التجارب وتلك المهارات بوسائل سهلة ميسرة ، كما أنه يعد من ناحية أخرى الوسيلة الملائمة والفعالة لوضع المعارف العلمية موضع التطبيق الفعلي والتعرف على الأخطاء والسلبيات التي يمكن أن يكشف التطبيق العملي للقوانين والأنظمة واللوائح ، ووضع الحلول الكفيلة بتجنبها . وتزداد أهمية التدريب في الوقت الحاضر نظرا للتطور التكنولوجي الكبير الذي يشهده العالم اليوم.[86].
والتدريب المقصود هنا ليس التدريب التقليدي فحسب فلا يكفي أن تتوافر لدي رجال العدالة الجزائية الخلفية القانونية أو أركان العمل الشرطي وإنما لا بد من إكسابهم خبرة فنية في مجال الجريمة المعلوماتية. وهذه الخبرة الفنية لا تتأتى دون تدريب تخصصي يراعي فيه العناصر الشخصية للمتدرب من حيث توافر الصلاحية العلمية والقدرات الذهنية والنفسية لتلقي التدريب ، ويلاحظ هنا أنه من الأسهل تدريب متخصص في تكنولوجيا المعلومات وشبكات الاتصال بدلا من تدريب القائمين على تنفيذ القانون كرجال الشرطة أو ممثلي الإدعاء العام . ويذهب بعض الخبراء إلى أنه يجب أن تتوافر لدى المتدرب خبرة لا تقل عن خمس سنوات في المجالات ذات العلاقة بتكنولوجيا المعلومات كالبرمجة وتصميم النظم وتحليلها وإدارة الشبكات وعمليات الحاسب الآلي[87]. وبالنسبة للمنهج التدريبي فيجب أن يشتمل على بيان بالمخاطر والتهديدات ونقاط الضعف وأماكن الاختراقات لشبكة المعلومات وأجهزة الحاسب الآلي مع ذكر لمفاهيم معالجة البيانات وتحديد نوعية و أنماط الجرائم المعلوماتية ، و بيان لأهم الصفات التي يتميز بها المجرم المعلوماتى ، والدوافع وراء ارتكاب الجرائم المعلوماتية.
وفيما يتعلق بمنهج التحقيق فإنه لا بد وأن يشتمل على[88]: 1. إجراءات التحقيق ، 2.التخطيط للتحقيق ، 3.تجميع المعلومات وتحليلها، 4.أساليب المواجهة والاستجواب ، 5.مراجعة النظم الفنية للبيانات ، 6. أساليب المعمل الجنائي.
بالإضافة إلى ذلك لا بد وإن يشتمل على ما يتعلق بالتفتيش والضبط وكيفية استخدام الحاسب الآلي كأداة للمراجعة والحصول على أدلة الاتهام وما يخص الملاحقة الدولية والتعاون المشترك[89].
وفيما يخص التدريب فإنه لا بد وأن يراعى في البرنامج التدريبي نوعه وصفته و ما إذا كان رسميا من خلال حلقات دراسية أو حلقات نقاش – ورش العمل- حول هذا النوع المستحدث من الجرائم ، وحلقات النقاش التي يمكن أن تثمر أفضل تدريب رسمي هي تلك التي تكفل تفاعل المشاركين ، وتتضمن تحليلا لحالات دراسية وإكساب خبرة عملية في كيفية التعامل مع الحاسب الآلي وكيفية استخدام تقنيات الاتصال بين شبكات الحاسب الآلي ، وما يرتبط بها من قواعد بيانات ومعلومات . وقد يكون البرنامج التدريبي غير رسمي من خلال تكليف المتدرب بالعمل مع شخص لدية خبرة في تحقيق الجرائم المعلوماتية ، أو التدريب باستخدام أسلوب الفريق والذي تقوم فلسفته على تدريب الفريق أو مجموعة متخصصة في جرائم الحاسب الآلي مرة واحدة بحيث يكون لكل فريق من الفرق مهمة محددة فضلا عن إلمامه بمهام زملائه الآخرين ، فطبقا لهذا الأسلوب يتم التركيز على تدريب مجموعة من المتخصصين في مجالات معينة بحيث يلم كل منهم بتخصص الآخرين ، ويزداد في نفس الوقت فهما لتخصصه الأصلي[90]. ويتعين هنا على الفريق أن يخوض تجارب عملية بحيث تعرض عليه عينة من الجرائم المعلوماتية التي تم التحقيق فيها ، على أن يراعى في هذه العينة التنويع لكي تؤدي دورها في إكساب المشاركين في البرنامج التدريبي الخبرة المطلوبة . وهذا الأمر يتطلب أن يعهد بالتدريب إلى جهات متخصصة تعنى باختيار المدربين ممن تتوافر لديهم الصلاحية العلمية والفنية والصفات الشخصية ليتولوا التدريب في هذا المجال ، والذي من شأنه تحقيق نتائج طيبة في عملية التدريب[91]. والعلمية التدريبية لا بد وان تكون مستمرة ولا تتوقف عند حد معين ، سيما وان الجرائم المعلوماتية ومنها الجرائم المتعلقة بالإنترنت في تطور مستمر وبشكل سريع جدا .
 ليس هذا فحسب بل لا بد وأن تسعى الأجهزة الأمنية المعنية بالتحقيق إلى استقطاب المتخصصين والكفاءات في المجال المعلوماتى وضمهم إليها ليكونوا ضمن كوادرها والاستفادة منهم ، ومن أجل ذلك ينبغي على كليات الشرطة من جهة أن تعمل جاهدة لقبول دفعات من الجامعين من خريجي كليات الحاسبات الآلية لتخرجهم ضباطاً مؤهلين قانونيا وتقنيا ، كذلك يتعين على الكليات المعينة بتدريس القانون أن تسعى جاهدة إلى تدريس الحاسبات الآلية وكل ما يتعلق به إلى الطلبة ، وأن تكون مادة الحاسب الآلي وتقنية المعلومات إحدى المواد الأساسية، لأن من شأن ذلك أن تتكون لدي خريجي هذه الكليات ثقافة قانونية وثقافة حاسوبية.
صفوة القول وخلاصته أن غرس و تطوير الثقافة الحاسوبية وسط رجال القانون والشرطة ، وربطها بالثقافة القانونية والشرطية التقليدية يكفل للأجهزة الأمنية ولسلطات التحقيق النجاح الباهر في مواجهة الجرائم المعلوماتية
 
 
المطلب الثاني
مظاهر التعاون الدولي في مجال تدريب رجال العدالة الجزائية
 
 
             أجهزة العدالة في الكثير من الدول سيما الدول النامية ليست لديها تلك الجاهزية لمواجهة الجرائم المتعلقة بشبكة الإنترنت ومثيلاتها من الجرائم المستحدثة ذات التطور المستمر لعدة أسباب منها الافتقار إلى الموارد الكافية مادية كانت أو بشرية ، أو لأن سلطات التحقيق لديها محدودة أو لأنه لديها قوانين ونظم سبقها الزمن أو قد تفتقر لأي قوانين لتتصدى بها لهذه النوعية من الجرائم .
من هنا و لأننا نعلم أنه ما من دولة يمكنها النجاح في مواجهة هذه الأنماط المستحدثة بمفردها دون تعاون وتنسيق مع غيرها من الدول كانت الدعوة إلى ضرورة وجود تعاون دولي ليس فقط في مجال المساعدات القضائية المتبادلة أو في مجال تسليم المجرمين فحسب ، وإنما أيضا في مجال تدريب رجال العدالة[92] ، فتدريب الكوادر البشرية القائمة على إنفاذ القانون ليس بذات المستوى في جميع الدول وإنما يختلف من دولة لأخرى بحسب تقدم الدولة ورقيها . ولو أمعنا النظر في بعض الصكوك الدولية والإقليمية لوجدنا أنها دعت وبصريح النص إلى ضرورة وجود تعاون بين الدول في مجال التدريب ونقل الخبرات فيما بينها . كما هو الحال في المادة 29 من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية 2000م ، والمادة 9 من مشروع الاتفاقية العربية لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الحدود .
والتعاون الدولي في مجال تدريب رجال العدالة على مواجهة الجرائم المتعلقة بشبكة الإنترنت قد يكون بين الدول وأجهزة العدالة الجزائية لديها، فعلي الصعيد العربي نجد مثلا أنه هناك اجتماعات تم عقدها في إطار التنسيق بين المعاهد القضائية العربية لتوفير التدريب والتأهيل المناسبين لأعضاء الهيئات القضائية العربية . وقد تمخضت الاجتماعات عن الاتفاق على إعداد مشروع اتفاقية للتعاون بين المعاهد القضائية العربية تسمي اتفاقية عمّان للتعاون العلمي بين المعاهد القضائية العربية والتي وقعت في 9 إبريل 1997م [93]. وفي جمهورية مصر العربية نجد أن النيابة العامة تعقد الكثير من الندوات والمؤتمرات وحلقات النقاش وتشارك فيها سواء عقدت داخل مصر أو خارجها ، بالإضافة أنه يتم إرسال أعضاء النيابة من مختلف الدرجات في برامج خارجية وذلك بالتعاون مع أجهزة النيابة العامة في الدول الأخرى والهيئات الدولية بهدف الإطلاع على أحدث النظم المقارنة ، وذات الشيء نجده في سلطنة عمان . و قد يتم من خلال عقد ندوات ومؤتمرات أو ورش العمل الجماعي[94] متخصصة في مواجهة تلك الجرائم تعقد على المستوى الدولي أو على المستوى الإقليمي ، حيث تقدم هذه الفعاليات العلمية من أبحاثها ودراستها وموضوعات محاورها الضوء على المستجدات المتعلقة بالجرائم المستحدثة من خلال تحليل ومناقشة أبعادها بعقلية ناجحة مما يمكن المعنيين بالوقاية ومكافحة هذه الجرائم من التعرف على أساليب ارتكابها وأخطارها ووسائل الوقاية والمكافحة بأساليب تتناسب وتفوق أساليب ووسائل مرتكبيها. وعلى هامش هذه المؤتمرات أو الندوات أو ورش العمل الجماعي تعقد اللقاءات وتبادل الآراء والخبرات .
 وقد يتحقق من عقد اللقاءات وحلقات المناقشة المصغرة بين مسؤلي الاتصال بالسفارات أو المكاتب الجغرافية الإقليمية للمنظمات والأجهزة المعنية مع جهات أو أطراف يقعون في دائرة عملهم أو بالقرب منها بناء على رغبة الجهة التي يمثلونها ، يتم خلالها تبادل الآراء والخبرات بين المشاركين . وتمثل كافة هذه اللقاءات وحلقات المناقشة وسيلة طيبة للحوار والمناقشة والتشاور للتعارف وتبادل الرأي والخبرة وطرح الأفكار والتصورات وتدارس سبل تنمية وتشجيع التعاون فيما بين الأطراف.
وقد يتحقق عن طريق تنظيم الدورات التدريبية للعاملين في أجهزة العدالة الجزائية والمعنيين بمكافحة الجريمة على المستوى الدولي ، وتعد هذه الصورة أكثر تطورا للتعاون الدولي الذي يستهدف تقريب وجهات النظر وتوحيد المفاهيم بين المشاركين في مكافحة الجريمة في الدول المختلفة من خلال تبادل الخبرة ، وطرح موضوعات ومشكلات للتدارس المشترك ، والتعرف على أحدث التطورات في مجال الجريمة سيما المعلوماتية وأساليب مكافحتها ، وغالبا ما يجري تنظيم مثل هذا التدريب من خلال المنظمات أو الدول أو الأجهزة الكبرى ذات مستوى أكثر تقدما يمكن أن يشجع الأطراف الأخرى على المشاركة في هذه البرامج التدريبية ، كما يمكنها تحمل نفقات وأعباء مثل هذه الدورات[95]
 وتحقق مثل هذه الدورات والبرامج العديد من الفوائد للجهات المنظمة وللمشاركين فيها ، فالجهة المنظمة يمكنها من خلال عقد مثل هذه البرامج أن تطرح ما تريد من موضوعات حيوية ، كما أنها تعلن عن دورها الرائد لتزيد من ثقة الأطراف الأخرى في أدائها ، بما يشجع على إجراء المزيد من التعاون معها ، وبما يضعها في مكانه خاصة لدى المتدربون والجهات التي يتبعونها. وعلى الجانب الآخر فإن هذه البرامج يمكن أن تفيد متلقي التدريب عن طريق زيادة مهاراته وخبراته ومعلوماته وقدراته على التعامل مع الأجهزة الدولية الأخرى ، الأمر الذي ينعكس على الجهة التي ينتمي إليها بالفائدة.
-تجربة الولايات المتحدة الأمريكية في هذا المجال[96]:
تعد الولايات المتحدة الأمريكية من الدول المتقدمة تكنولوجيا والمتطورة تقنيا في مجال مكافحة الجرائم المعلوماتية وجرائم الشبكات ، وعلى الرغم من ذلك فهي تعي وتعلم أنه ما من دولة وإن كانت متقدمة يمكنها التصدي لأخطار هذه الأنماط المستحدثة من الجرائم .
من هذا المنطلق نجدها تحرص على توفير المساعدة التقنية والتدريب لرفع قدرات العدالة الجزائية لدى الحكومات الأخرى، ومساعدة ما لديها من أجهزة شرطة، ومسئولي الادعاء العام، والقضاة ليصبحوا أكثر فعالية في مكافحة الجريمة. فمثل هذه المساعدة لا تؤدي إلى تيسير بناء إطار للتعاون الدولي في مجال تطبيق القانون وحسب، ولكنها تعزز أيضاً قدرة الحكومات الأجنبية المعنية على ضبط مشاكل الجريمة المعلوماتية لديها قبل أن يمتد ليتجاوز حدود بلدانها.
 فمكتب المساعدة والتدريب على تطوير أجهزة الادعاء العام في الخارج، التابع لوزارة العدل الأميركية، مكلّف تحديداً بتوفير المساعدة اللازمة لتعزيز مؤسسات العدالة الجزائية في دول أخرى، وتعزيز إدارة القضاء في الخارج.
كما أن البرنامج الدولي للمساعدة والتدريب على التحقيق الجزائي (ICITAP)، الذي كثيراً ما يعمل بالترادف مع وحدته الشقيقة- مكتب المساعدة والتدريب على تطوير أجهزة الادعاء العام في الخارج ، العامل داخل وزارة العدل نفسها-     على توفير مساعدات لأجهزة الشرطة في البلدان النامية في مختلف أنحاء العالم. وتهدف المساعدة التي يقدمها هذا البرنامج الأخير إلى تعزيز القدرات التحقيقية لدى أجهزة الشرطة في البلدان الناشئة.
وفي الوقت الحاضر، تقدّم وزارة العدل الأميركية مساعدات لتطوير القطاع القضائي في عدد من البلدان في أفريقيا، وآسيا، وأوروبا الشرقية والوسطى      وأميركا اللاتينية ومنطقة حوض الكاريبتي، والدول المستقلة حديثاً، بما ذلك روسيا والشرق الأوسط. مستعينة في ذلك بخبرة الوحدات المتخصصة التابعة لها. منها على سبيل المثال، وحدة مكافحة استغلال الأطفال وأعمال الفحش التابعة للقسم الجزائي بها ، قامت بدور أساسي في صياغة قانون نموذجي يهدف إلى مكافحة استغلال الناس عن طريق الاتجار بالبشر والبغاء.
هذا من جهة ومن جهة أخرى نجد أن أجهزة تطبيق القانون الأمريكية توفر أيضا تدريباً لنظيراتها من الأجهزة في البلدان الأخرى داخل الولايات المتحدة الأمريكية أو خارجها عن طريق إنشاء معاهد خاصة بتدريب العاملين في أجهزة تطبيق القانون كما هو الحال في كل من المجر، وبوتسوانا، وكوستاريكا، وتايلند. وفي هذه المعاهد، يقوم خبراء أميركيون في عمل أجهزة تطبيق القانون بإطلاع المتدربين على أساليب وسبل مبتكرة للتحقيق، ويشجعون على تبادل الآراء مع نظرائهم في مختلف أنحاء العالم.
خلاصة القول وصفوته أنه ما من دولة يمكنها بنجاح مجابهة هذا التحدي في مواجهة هذه الأنماط المستحدثة من الجرائم ومنها الجرائم الناشئة عن استخدام شبكة الإنترنت بمفردها . ولا مفر من مواصلة أجهزة تطبيق القانون في أنحاء العالم تطوير القدرة على التعاون الدولي في المجال التدريبي ، ولا مفر للدول المتقدمة من مساعدة الدول النامية لتعزيز مؤسساتها المتخصصة بالتحري والتحقيق والمحاكمة ، من خلال توفير التدريب وسائر أنواع المعونة التقنية.
 
 
 
الفصل الثاني
الصعوبات التي تواجه التعاون الدولي وكيفية القضاء عليها
 
تمهيد وتقسيم:
 
في عالم مزدحم بشبكات اتصالية دقيقة ومتطورة تنقل وتشغل المعلومات والبيانات من مناطق متباعدة باستخدام تقنيات لا تكفل لها أمنا كاملا ، ويتاح في ظلها التلاعب عبر الحدود بتلك المعطيات المنقولة أو المخزنة ، مما قد يسبب لبعض الدول أو الأفراد أو الشركات أضرارا فادحة ، يغدو عندها التعاون الدولي واسع المدى في مكافحة الجرائم المعلوماتية ومن بينها جرائم الإنترنت أمرا محتما.
ومع ضرورة هذا التعاون والمناداة به ، إلا أنه ثمة صعوبات ومعوقات تقف دون تحققه وتجعله صعب المنال ومن خلال هذا الفصل سوف نحاول جاهدين أبرز أهم تلك الصعوبات أو المعوقات " مبحث أول" وكيفية مواجهتها مبحث "ثاني":
 
 
المبحث الأول
الصعوبات التي تواجه التعاون الدولي
 
تمهيد :
 
            التعاون الدولي بكافة صوره في مجال مكافحة ومواجهة الجرائم المتعلقة بشبكة الإنترنت وإن كان يعد مطلبا تسعى إلى تحقيقه أغلب الدول إن لم يكن كلها ، إلا أنه ثمة صعوبات ومعوقات تقف دون تحقيقه أهمها:
 
أولا عدم وجود نموذج موحد للنشاط الإجرامي[97].
بنظرة متأنية للأنظمة القانونية القائمة في الكثير من الدولة لمواجهة الجرائم المعلوماتية ومنها الجرائم المتعلقة بشبكة الإنترنت يتضح لنا من خلالها عدم وجود اتفاق عام مشترك بين الدول حول نماذج إساءة استخدام نظم المعلومات وشبكة الإنترنت الواجب تجريمها، فما يكون مباحا في أحد الأنظمة قد يكون مجرّما وغير مباح في نظام آخر. ويمكن إرجاع ذلك إلى عدة أسباب وعوامل كاختلاف البيئات والعادات والتقاليد والديانات والثقافات من مجتمع لآخر ، وبالتالي اختلاف السياسة التشريعية من مجتمع لآخر[98].
 
ثانيا: تنوع واختلاف النظم القانونية الإجرائية[99].
بسبب تنوع واختلاف النظم القانونية الإجرائية ، نجد أن طرق التحري و التحقيق و المحاكمة التي تثبت فائدتها وفاعليتها في دولة ما قد تكون عديمة الفائدة في دولة أخرى أو قد لا يسمح بإجرائها . كما هو الحال بالنسبة للمراقبة الإلكترونية ، والتسليم المراقب ، والعمليات المستترة ، وغيرها من الإجراءات الشبيهه. فإذا ما اعتبرت طريقة ما من طرق جمع الاستدلالات أو التحقيق أنها قانونية في دولة معينة ، قد تكون ذات الطريقة غير مشروعة في دولة أخرى ، وبالتالي فإن الدولة الأولى سوف تشعر بخيبة أمل لعدم قدرة سلطات إنقاذ القانون في الدولة الأخرى على استخدام ما تعتبره هي أنه أداة فعّالة ، بالإضافة إلى أن السلطات القضائية لدى الدولة الثانية قد لا تسمح باستخدام أي دليل إثبات جرى جمعه بطرق تري هذه الدولة أنها طرق غير مشروعة ، حتى وإن كان هذا الدليل تم الحصول عليه في اختصاص قضائي وبشكل مشروع.
 
 ثالثا:عدم وجود قنوات اتصال:
أهم الأهداف المرجوة من التعاون الدولي في مجال الجريمة والمجرمين ، الحصول على المعلومات والبيانات المتعلقة بهم ، ولتحقيق هذا الهدف كان لزاما أن يكون هناك نظام اتصال يسمح للجهات القائمة على التحقيق بالاتصال بجهات أجنبية لجمع أدلة معينة أو معلومات مهمة ، فعدم وجود مثل هذا النظام يعني عدم القدرة على جمع الأدلة والمعلومات العملية التي غالبا ما تكون مفيدة في التصدي لجرائم معينة ولمجرمين معينين . وبالتالي تنعدم الفائدة من هذا التعاون .
 
رابعا: مشكلة الاختصاص في الجرائم المتعلقة بالإنترنت:
الجرائم المتعلقة بالإنترنت من أكبر الجرائم التي تثير مسألة الاختصاص على المستوى المحلى أو الدولي ولا توجد أي مشكلة بالنسبة للاختصاص على المستوى الوطني أو المحلى حيث يتم الرجوع إلى المعايير المحددة قانونا لذلك[100]
ولكن المشكلة تثار بالنسبة للاختصاص على المستوى الدولي حيث اختلاف التشريعات والنظم القانونية والتي قد ينجم عنها تنازع في الاختصاص بين الدول بالنسبة للجرائم المتعلقة بالإنترنت التي تتميز بكونها عابرة للحدود. فقد يحدث أن ترتكب الجريمة في إقليم دولة معينة من قبل أجنبي، فهنا تكون الجريمة خاضعة للاختصاص الجنائي للدولة الأولى استنادا إلى مبدأ الإقليمية ، وتخضع كذلك لاختصاص الدولة الثانية على أساس مبدأ الاختصاص الشخصي في جانبيه ، وقد تكون هذه الجريمة من الجرائم التي تهدد أمن وسلامة دولة أخرى فتدخل عندئذ في اختصاصها استنادا إلى مبدأ العينية[101]. كما تثار فكرة تنازع الاختصاص القضائي في حالة تأسيس الاختصاص على مبدأ الإقليمية ، كما لو قام الجاني ببث الصور الخليعة ذات الطابع الإباحي من إقليم دولة معينة وتم الإطلاع عليها في دولة أخرى ، ففي هذه الحالة يثبت الاختصاص وفقا لمبدأ الإقليمية لكل دولة من الدول التي مستها الجريمة .
 
خامسا: التجريم المزدوج :
التجريم المزدوج من أهم الشروط الخاصة بنظام تسليم المجرمين ، فهو منصوص عليه في أغلب التشريعات الوطنية والصكوك الدولية المعنية بتسليم المجرمين ، وبالرغم من أهميته تلك ، نجده عقبة أمام التعاون الدولي في مجال تسليم المجرمين بالنسبة للجرائم المعلوماتية سيما وأن معظم الدول لا تجرم هذه الجرائم ، بالإضافة إلى أنه من الصعوبة أن نحدد فيما إذا كانت النصوص التقليدية لدى الدولة المطلوب منها التسليم يمكن أن تنطبق على الجرائم المتعلقة بشبكة الإنترنت أو لا . الأمر الذي يعوق تطبيق الاتفاقيات الدولية في مجال تسليم المجرمين ، ويحول بالتالي دون جمع الأدلة ومحاكمة مرتكبي الجرائم المتعلقة بالإنترنت[102].
 
سادسا: الصعوبات الخاصة بالمساعدات القضائية الدولية :
نعلم أن الأصل بالنسبة لطلبات الإنابة القضائية الدولية والتي تعد من أهم صور المساعدات القضائية الدولية في المجال الجنائي أن تسلم بالطرق الدبلوماسية وهذا بالطبع يجعلها تتسم بالبطء والتعقيد ، والذي يتعارض مع طبيعة الإنترنت وما تتميز به من سرعة ، وهو الأمر الذي انعكس على الجرائم المتعلقة بالإنترنت .
كذلك من الصعوبات الكبيرة في مجال المساعدات القضائية الدولية المتبادلة التباطؤ في الرد ، حيث أن الدولة متلقية الطلب غالبا ما تكون متباطئة في الرد على الطلب سواء بسب نقص الموظفين المدربين أو نتيجة الصعوبات اللغوية أو الفوارق في الإجراءات التي تعقد الاستجابة وغيرها من الأسباب . فكم هو محبط شطب قضية لعدم تلبية طلب بسيط في الوقت المناسب.
  
سابعا: الصعوبات الخاصة بالتعاون الدولي في مجال التدريب:
تتمثل في عدم رغبة بعض القيادات الإدارية في بعض الدول في التدريب لاعتقادهم بدوره السلبي في تطوير العمل من خلال تطبيق ما تعلمه المتدربون في الدورات التدريبية وما اكتسبوه من خبرات. ومن الصعوبات أيضا والتي قد تهدد التعاون في مجال التدريب ما يتعلق بالفوارق الفردية بين المتدربين وتأثيرها على عملية الاكتساب للمهارات المستهدفة بقوة تامة و متكافئة لدي مختلف الأفراد المتدربين. سيما في مجال تكنولوجيا المعلومات وشبكات الاتصال حيث أنه يوجد بعض الأشخاص ممن لا يعي في هذا المجال شيء ، وعلى النظير يوجد أناس على درجة كبيرة من المعرفة والثقافة في هذا المجال.
 بالإضافة إلى أن نظرة المتدرب إلى الدورة التدريبية على أنها مرحلة تدريبية أو عبء لا طائل منه تهدد العملية التدريبية برمتها وبالطبع نسف التعاون الدولي في هذا المجال.   
أيضا من الصعوبات التي قد تؤثر على العملية التدريبية وعلى التعاون الدولي فيها ما يتعلق بالملامح العامة المميزة للبيئة التدريبية وعدم قدرتها على تمثيل الواقع العملي لبيئة العمل الطبيعية تمثيلا تاما ومتقنا ، من حيث ما يدور بها من وقائع وملابسات وإجراءات ، وما يتم فيها من نشاطات لا تبلغ حد التطابق مع طبيعة المهام التي سيؤديها المتدربون في بيئة العمل الطبيعية.
 
 
المبحث الثاني
كيفية القضاء على الصعوبات التي تواجه التعاون الدولي
 
فيما يتعلق بالعقبة الأولي المتمثلة في عدم وجود نموذج موحد للنشاط الإجرامي فإن الأمر يقتضي توحيد هذه النظم القانونية. ولاستحالة هذا الأمر فإنه لا مناص من البحث عن وسيلة أخرى تساعد على إيجاد تعاون دولي يتفق مع طبيعة هذا النوع المستحدث من الجرائم ويخفف من غلو الفوارق بين الأنظمة العقابية الداخلة ، وتتمثل هذه الوسيلة في تحديث التشريعات المحلية المعنية بالجرائم المعلوماتية و إبرام اتفاقيات خاصة يراعي فيها هذا النوع من الجرائم[103]
وبالنسبة للمعوقة الثانية والخاصة بتنوع واختلاف النظم القانونية الإجرائية نجد أن الصكوك الدولية الصادرة عن الأمم المتحدة غالبا ما تشجع الأطراف فيها على السماح باستخدام بعض تقنيات التحقيق الخاصة ، الشيء الذي يخفف من غلو واختلاف النظم القانونية والإجرائية ويفتح المجال أمام تعاون دولي فعّال. فمثلا المادة 20 من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية تشير في هذا الصدد إلى التسليم المراقب ، والمراقبة الإلكترونية وغيرها من أشكال المراقبة والعمليات المستترة[104] ، والتي تعتبر من أهم التقنيات المستخدمة في التصدي للجماعات الإجرامية المنظمة المحنكة بسبب الأخطار والصعوبات الكامنة وراء محاولة الوصول إلى عملياتها وتجميع المعلومات وأدلة الإثبات لاستخدامها فيما بعد في الملاحقات القضائية المحلية منها أو الدولية في دول أطراف في سياق نظم المساعدة القانونية المتبادلة[105].
وهذا ما أكدت عليه الاتفاقية الأوربية للإجرام المعلوماتي حيث نصت المادة 29 على سرية حفظ البيانات المعلوماتية المخزنة وأجازت لكل طرف أن يطلب من الطرف الآخر الحفظ السريع للمعلومات المخزنة عن طريق إحدى الوسائل الإلكترونية الموجودة داخل النطاق المكاني لذلك الطرف الآخر والتي ينوي الطرف طالب المساعدة أن يقدم طلباً للمساعدة بشأنها بغرض القيام بالتفتيش أو الدخول بأي طريقة مماثلة، وضبط أو الحصول أو الكشف عن البيانات المشار إليها.
كما أكدت المادة 30 من ذات الاتفاقية على الكشف السريع عن البيانات المحفوظة حيث نصت على : أنه عند تنفيذ طلب حفظ البيانات المتعلقة بالتجارة غير المشروعة والمتعلقة باتصال خاص تطبيقاً لما هو وارد في المادة 29 فإن الطرف المساند إذا اكتشف وجود مؤدي خدمة في بلد آخر قد شارك في نقل هذا الاتصال فإن عليه أن يكشف على وجه السرعة إلى الطرف طالب المساعدة كمية كافية من البيانات المتعلقة بالتجارة غير المشروعة حتى يمكن تحديد هوية مؤدي الخدمة هذا والطريق الذي تم الاتصال من خلاله.
 كما أشارت المادة 31 من هذه الاتفاقية إلى المساعدة المتعلقة بالدخول إلى البيانات المحفوظة . حيث أجازت لأي طرف أن يطلب من أي طرف آخر أن يقوم بالتفتيش أو أن يدخل بأي طريقة مشابهة وأن يضبط أو يحصل بطريقة مماثلة، وأن يكشف عن البيانات المحفوظة بواسطة شبكة المعلومات داخل النطاق المكاني لذلك الطرف والتي يدخل فيها أيضاً البيانات المحفوظة وفقاً للمادة 29.ويجب الاستجابة لمثل هذا الطلب بأسرع ما يمكن في الحالات الآتية:1.إذا كانت هناك أسباب تدعو للاعتقاد أن البيانات المعنية عرضة على وجه الخصوص لمخاطر الفقد أو التعديل.2.أو أن الوسائل والاتفاقات والتشريعات الواردة في الفقرة 2 تستلزم تعاوناً سريعاً.
في حين نجد أن المادة 32 من ذات الاتفاقية سمحت بالدخول للبيانات المخزنة خارج نطاق الحدود بشرط أن يكون ذلك بموجب اتفاق، أو أن تكون هذه البيانات متاحة للجمهور.
أيضا نصت المادة 33على تعاون الدول الأطراف فيما بينها لجمع البيانات في الوقت الحقيقي عن التجارة غير المشروعة، والمرتبطة باتصالات خاصة على أرضها تتم بواسطة شبكة معلومات، وفي إطار ما هو منصوص عليه في الفقرة الثانية. وينظم هذا التعاون الشروط والإجراءات المنصوص عليها في القانون الداخلي.ويمنح كل طرف تلك المساعدة على الأقل بالنسبة للجرائم التي يكون جمع المعلومات بشأنها في الوقت الحقيقي متوافر في الأمور المشابهة على المستوى المحلي.
وهناك أيضا المادة 34 من ذات الاتفاقية والتي نصت على التعاون في مجال التقاط البيانات المتعلقة بمضمون الاتصالات النوعية التي تتم عن طريق إحدى شبكات المعلومات.
ونلاحظ مما سبق أن الاتفاقية الأوربية للإجرام المعلوماتي أوجدت بعض الحلول التي من شأنها التغلب على مشكلة اختلاف النظم الإجرائية أمام التعاون الدولي لمواجهة الجرائم المتعلقة بشبكة الإنترنت.
وللحد من ظاهرة عدم وجود قنوات اتصال بين جهات إنفاذ القانون فنلاحظ أنه غالبا ما تشجع الصكوك الدولية الدول إلى التعاون فيما بينها وتدعوها إلى إنشاء قنوات اتصال بين سلطاتها المختصة ووكالاتها ودوائرها المتخصصة بغية التيسير في الحصول على هذه المعلومات وتبادلها [106]، ومن الأمثلة على هذه الصكوك الدولية اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية في المادة 27 منها ، والمادة 9 من اتفاقية 1988م ، والمادة 48 من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد. والبند الثاني من المادة 27 من الاتفاقية الأوربية بشأن الإجرام المعلوماتى، والمادة35 من ذات الاتفاقية الأوربية والتي أوجبت على الدول الأطرف فيها ضرورة تحديد نقطة اتصال تعمل لمدة 24 ساعة يومياً طوال أيام الأسبوع لكي تؤمن المساعدة المباشرة للتحقيقات المتعلقة بجرائم البيانات والشبكات، أو استقبال الأدلة ذات الشكل الإلكتروني .وهذه المساعدة تشمل تسهيل أو، إذا سمحت الممارسات والقوانين الداخلية بذلك، تطبيق الإجراءات التالية بصفة مباشرة أولا:إسداء النصيحة الفنية.ثانيا.حفظ البيانات وفقاً للمواد 29 ، 30. ثالثا:جمع الأدلة وإعطاء المعلومات ذات الطابع القضائي وتحديد أماكن المشتبه فيهم.
كما أوجبت ذات المادة على الدول الأطراف ضرورة أن تتمكن نقطة الاتصال من الاتصال السريع بنقطة اتصال الطرف الآخر.وأن يعمل كل طرف على أن يتوافر لديه الأفراد المدربين القادرين على تسهيل عمل الشبكة.
 
أما بالنسبة لمشكلة الاختصاص في الجرائم الإنترنتية فثمة حاجة ملحة إلى إبرام اتفاقيات دولية ثنائية كانت أو جماعية يتم فيها توحيد وجهات النظر فيما يتعلق بقواعد الاختصاص القضائي خاصة بالنسبة للجرائم المتعلقة بالإنترنت[107].بالإضافة إلى تحديث القوانين الجنائية الموضوعية منها والإجرائية بما يتناسب والتطور الكبير التي تشهده تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.
 
ولأجل القضاء على مشكلة التجريم المزدوج والذي يعد من أهم الشروط الخاصة بنظام تسليم المجرمين ركزت الاتجاهات والتطورات التشريعية الخاصة بتسليم المجرمين على تخفيف التطبيق الصارم لهذا الشرط ، وذلك بإدراج أحكام عامة في المعاهدات والاتفاقيات المعنية بتسليم المجرمين وذلك إما بسرد الأفعال والتي تتطلب أن تجرم كجرائم أو أفعال مخلة بمقتضي قوانين الدولتين معا أو بمجرد السماح بالتسليم لأي سلوك يتم تجريمه ويخضع لمستوى معين من العقوبة في كل دولة .
وفيما يتعلق بالصعوبات الخاصة بالمساعدات القضائية الدولية والتباطؤ في الرد فإننا نجد الحاجة ملحة إلى إيجاد وسيلة أو طريقة تتسم بالسرعة تسلم من خلالها طلبات الإنابة كتعين سلطة مركزية مثلا أو السماح بالاتصال المباشر بين الجهات المختص في نظر مثل هذه الطلبات لنقضي على مشكلة البطء والتعقيد في تسليم طلبات الإنابة. وهذا بالفعل ما أوصي به مؤتمر الأمم المتحدة الحادي عشر لمنع الجريمة والعدالة الجنائية والذي انعقد في بانكوك في الفترة من 18-25/4/2005م حيث أكد على ضرورة تعزيز فعالية السلطات المركزية المعنية الضالعة في أعمال المساعدة القانونية المتبادلة وإقامة قنوات مباشرة للاتصال فيما بينها بغية ضمان تنفيذ الطلبات في الوقت المناسب[108] (1) ، ونفس الشيء نجده في البند الثاني من المادة 27 من الاتفاقية الأوربية بشأن الإجرام المعلوماتى. والمادة35 من ذات الاتفاقية الأوربية والتي أوجبت على الدول الأطرف فيها ضرورة تحديد نقطة اتصال تعمل لمدة 24 ساعة يومياً طوال أيام الأسبوع لكي تؤمن المساعدة المباشرة للتحقيقات المتعلقة بجرائم البيانات والشبكات، أو الاستقبال الأدلة في الشكل الإلكتروني عن الجرائم .كما أوجبت ذات المادة على الدول الأطراف ضرورة أن تتمكن نقطة الاتصال من الاتصال السريع بنقطة اتصال الطرف الآخر.وأن يعمل كل طرف على أن يتوافر لديه الأفراد المدربين القادرين على تسهيل عمل الشبكة.
أما بالنسبة للرد على طلبات التماس المساعدة فإنه من الضرورة بمكان الاستجابة الفورية والسريعة على هذه الطلبات ،لأجل ذلك تنص غالبية المعاهدات والاتفاقيات الخاصة بالمساعدات القضائية المتبادلة على ضرورة الاستجابة الفورية والسريعة على طلبات التماس المساعدة. وهذا ما أكدت عليه الفقرة الثالثة من المادة 25 من الاتفاقية الأوربية للإجرام المعلوماتي حيث نصت على أنه " يمكن لكل طرف، في الحالات الطارئة أن يوجه طلباً للمعاونة أو للاتصالات المتعلقة بها عن طريق وسائل الاتصال السريعة مثل الفاكس أو البريد الإلكتروني على أن تستوفي هذه الوسائل الشروط الكافية المتعلقة بالأمن وصحتها (ويدخل ضمن ذلك الكتابة السرية إذا لزم الأمر) مع تأكيد رسمي لاحق إذا اقتضت الدولة المطلوب منها المساعدة في ذلك. وتقوم الدولة بالموافقة على هذا الطلب والرد عليه عن طريق إحدى وسائل الاتصال السريعة.
أما فيما يتعلق بالصعوبات التي تواجه التعاون الدولي في مجال التدريب فإنه يمكن التغلب عليها بإجراء المزيد من الحملات التوعوية للتنبيه بمخاطر الجرائم المعلوماتية والأضرار التي تسببها وبأهمية تدريب رجال العدالة الجزائية على مواجهتها ، كما أنه وبمزيد من التنسيق بن الأجهزة المعنية بتدريب رجال تنفيذ القانون إيجاد برامج تدريبية مشتركة تناسب جميع الفئات . هذا بالإضافة إلى القيام ببعض العمليات المشتركة والتي من شأنها صقل مهارات القائمين على مكافحة تلك الجرائم وتقريب وجهات النظر بشأنها

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق